لن تقف ترددات الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية وجارتيها قطر والإمارات العربية المتحدة في وقت قريب. وكرة الثلج التي ولدتها اطلالته على منطقة الخليج العربي وما رافقها حتى الخروج منها وعودته الى العاصمة الاميركية ستكبر وتتوالى فصولا في إتجاهات لا يرغبها كثر ولا سيما عدد من حلفائها الذين نجحوا في فترة من الفترات في استدراجها الى وحول المناطق الأكثر توترا في العالم.
على هذه الخلفيات تتقاطع المعلومات التي اطلعت عليها "المركزية" والتي تحدثت عنها تقارير ديبلوماسية عدة وردت من أكثر من عاصمة أن الإستراتيجية الأميركية المعتمدة في منطقة الشرق الاوسط قد اتخذت منحى جديدا بعدما انحرفت بشكل متدرج وغير متسرع عما كانت عليه من قبل وأن هناك معطيات جديدة تشي بأن الرئيس ترامب قرر توسيع مروحة حلفائه واصدقائه بطريقة لا تقف عند حدود الرهان على قوة اقليمية واحدة في أي منطقة في العالم.
وتلفت المعلومات التي تم تبادلها على نطاق ضيق انه لم يعد أمام الولايات المتحدة سوى النظر إلى اي مسعى نحو السلام في اي بقعة مشتعلة، يفترض أن تكون أكثر عدلا عند النظر في كل ما يؤدي الى سلام دائم يرتكز على التنمية الشاملة بحيث تتقدم المصالح الاقتصادية والتنموية على كل الخيارات الاخرى ولا سيما العسكرية منها، وتغليب اللغة الديبلوماسية على ما عداها مما يزيد الشروخ بين الشعوب وتعزز الخلافات بين الثقافات والحضارات.
لا تقف النظريات المتداولة عند هذا المنحى السوريالي كما يعتقد البعض، فقد نقل عن مسؤول اميركي كبير رافق ترامب في زيارته الاخيرة الى الخليج العربي انه عاد بقناعة إضافية حول ضرورة تقديم الخيارات الديبلوماسية التي دفعته الى الإسراع في عقد الاتفاقيات المباشرة مع قوى المنطقة ولا سيما تلك التي كانت تشكل الاذرع الايرانية في سعيه للسيطرة على منابعها وضرب مكامن قوتها وقطع اجنحتها الضامنة لوجودها بكلفة اقل من ذي قبل. فهو يدرك ان طهران لم تبن اي من اتفاقياتها مع قوى عادية لا بل اختارت الإنفاق والاستثمار البعيد المدى على قوى دينية وشعبية وجهادية يمكن ان تشكل قوة عسكرية ومالية وسياسية محلية مستقلة في مرحلة من المراحل الى درجة ترفع عنها الحرج ان انتهت معاركها الى اي خسارة مؤقتة او مستدامة وهو ما خبرته في حروبها المفتوحة في لبنان اولا واليمن لاحقا قبل ان تتوسع حروبها في غزة ولبنان بطريقة يمكن أن تتبرأ من مطلقيها وقادتها إن لم تحقق اهدافها.
وعليه، لم تقف الإستراتيجية الايرانية – كما وصفها المسؤول الأميركي - عند هذه المؤشرات التقليدية فواكبتها بسياسة مد الجسور مع القوى الدولية خارج مدار الساحات الاسلامية التي تناهض واشنطن بطريقة تستدرجها الى مشاريع بعيدة المدى كما هي العلاقات التي بنتها مع روسيا والصين وقوى اخرى في اميركا اللاتينية. وهي مساع تبذل في مواجهة أرادتها طويلة الامد، للتخفيف من حدة العقوبات التي كبلتها على مدى اربعة قرون ونصف. وهي مرحلة تحتسبها منذ بداية معاناتها من العقوبات المتدرجة التي فرضت عليها مع ولادة الثورة الإسلامية وشملت قطاعاتها الحيوية التجارية والصناعية الى حين بلوغها تجميد العمل بالاتفاق النووي عام 2018 بعد سنوات ثلاث على عقده.
وانطلاقا من هذه المؤشرات يبدو ان الرئيس الاميركي تخلى بطريقة متدرجة عن وكيل وحيد في المنطقة هي اسرائيل واطلق مسار المفاوضات المباشرة مع ايران وحماس في محاولة لاختصار الطريق الى سلام بدأت معالمه تظهر بعقود غامضة قد تكون ملغومة لم تفض حتى اليوم سوى الى تقليم اظافر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وكبح جماحه تجاه أي ضربة يريدها لايران بتوقيت لا يخدم انطلاقة المفاوضات الأميركية معها. وكل ذلك يجري في وقت وضعت فيه محكمة العدل الدولية بقرارها قواعد تحد من حركته الدولية في العديد من الدول التي لا يستطيع أن يزورها وصولا الى تقنين عبور أجوائها كما جرى أثناء انتقاله في الاجواء التركية عدا عن تلك التي تحد منها في اجواء بعض الدول الأوروبية.
وبناء على ما تقدم، نصحت المراجع الدبلوماسية القيادات اللبنانية بضرورة فهم عناوين الاستراتيجية الأميركية في لبنان والمنطقة نتيجة ما انتهت اليه زيارة ترامب الى المنطقة ولفتت الى أنها لا تخفي ما تريده وما تضمره من جميع الأطراف وليس في أي منها سر. فالمواقف المعلنة كافية للتدليل اليها وان المسؤولين على علم بها فالاتصالات لم تنقطع بين بيروت وواشنطن وان ما اشارت اليه نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في مداخلتها أمام "منتدى قطر الاقتصادي" وما جددت التأكيد عليه في عشاء "مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان"، كافٍ لفهم الرسالة المطلوبة من لبنان وإنه من المستغرب أن يعبر أي منهم عن أي علامة تعجب، فهم على علم بها وأنها رهنت عودتها الى بيروت في نهاية آخر زيارة لها مطلع أيار الجاري رهن تحقيق اي منها وطالما أنها لم تتلمس شيئا فإنها لن تضيع المزيد من الوقت.
وتلفت التقارير الديبلوماسية عينها الى ان امام المسؤولين مهلة محدودة للرد على مجموعة الاسئلة التي ستقود الى احياء برامج الدعم والاعمار المنتظرة في لبنان ومن دونها على الجميع أن يتوقف عن تعداد الفرص التي اضاعها اللبنانيون في بيع مصطلحات سياسية فاسدة لا مردود لها كبعض من تلك التي يجري تسويقها اليوم، ولا سيما ما يتعلق منها بتأجيل البحث بوضع السلاح غير الشرعي في عهدة الجيش اللبناني ومستلزمات هذه المرحلة باسرع وقت ممكن وقبل فوات الاوان ان سبقتنا الدول المحيطة بالايفاء بتعهداتها لتقطف ثمار الاستراتيجيات الجديدة في المنطقة والاميركية واحدة منها.
طوني جبران