بعد أسابيع من الاشتباكات الضارية التي شهدتها منطقة مخيم "زمزم" للاجئين في ولاية شمال دارفور بالسودان، لا يزال الوضع كارثياً.
فقد أفاد شهود عيان بروايات عن الوضع لوكالة الأنباء الألمانية، وقالوا إن مهاجمين جاؤوا، أمس الأحد، من كل اتجاه، مثبّتين الرشاشات فوق شاحناتهم الصغيرة لاستهداف المخيم.
كما أوضحوا أن حالة من الذعر سادت بين اللاجئين في المكان الذي كان يؤوي ما يتراوح بين 500 ألف ومليون نازح داخلي، بحسب تقديرات مختلفة.
وأِشاروا إلى أن المهاجمين ينتمون إلى قوات الدعم السريع. وقال محمد السوداني من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، والذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل: "لقد تم حرق كبار السن الذين لم يتمكنوا من الفرار سريعا، وهم أحياء في أكواخهم. كما تم سحب الأطفال من الأماكن التي يختبئون بها وقتلهم".
وزعم أن قوات الدعم السريع أساءت معاملة ضحاياها ووجهت إليهم إساءات عرقية، مؤكداً إعدام عمال الإغاثة على الفور.
رغم ذلك، أوضحت الوكالة الألمانية أنه لا يمكن التحقق من تصريحات محمد بشكل مستقل، لكنها أشارت إلى أن مراقبين ومنظمات إغاثة متواجدين على الأرض، أكدوا مقتل موظفين من منظمة الإغاثة الدولية في أعمال عنف.
وبحسب إحصاءات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، قتل ما لا يقل عن 23 طفلا. كما تشير التقارير إلى أن عدد القتلى بلغ 129 على الأقل، وربما عدة مئات.
ولم تكن أعمال العنف هذه غريبة على الفاشر، لأن جذورها في دارفور تعود إلى ما هو أبعد من ذلك، وهي الصراعات بين البدو العرب والمزارعين الأفارقة، على موارد مثل المياه والأراضي.
إذ كانت ميليشيات تمتطي الخيول، انضم بعضها في وقت لاحق إلى قوات الدعم السريع، هاجمت قبل عشرين عاما قرى تابعة لجماعات عرقية أفريقية مثل "المساليت" و"الزغاوة" و"الفور".
وتم تدمير آلاف القرى، كما أفادت تقارير واسعة النطاق بحدوث وقائع عنف جنسي ومجازر.
وفي عام 2004، وصف وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كولن باول، الأحداث في دارفور بـ "الإبادة الجماعية".
وفي عام 2010، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني آنذاك، عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور.
إلا أن دارفور حظيت آنذاك على عكس اليوم، باهتمام دولي، حيث أطلق نجوم بارزون في هوليوود من أمثال جورج كلوني وأنجلينا جولي وميا فارو، نداءات علنية "لإنقاذ دارفور".
هل يعيد التاريخ نفسه؟
أما في الوقت الحالي، فيبدو أن التاريخ يعيد نفسه. ففي صيف عام 2023، أفادت تقارير بوقوع مجازر استهدفت جماعة "المساليت" العرقية في غرب دارفور.
ومنذ ذلك الحين، تتهم الجماعات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، قوات الدعم السريع مرارا بارتكاب جرائم تعذيب واغتصاب جماعي وغيرها.
كما وردت منذ الهجوم على مخيم "زمزم" في منتصف أبريل/نيسان الماضي، تقارير يومية بشأن سقوط عشرات القتلى بسبب القصف الذي تشهده الفاشر والقرى المحيطة بها.
يشار إلى أن الفاشر - وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال تحت سيطرة الحكومة، والتي حاصرتها قوات الدعم السريع لمدة عام - لها أهمية استراتيجية كبيرة.
وفي حال سيطرت قوات الدعم السريع عليها فإنها سوف تسيطر على دارفور بأكملها، وستتمكن من تنفيذ خططها لإنشاء حكومة موازية هناك.