مما لا شك فيه ان الاعتصام الذي بدأه بعض النواب التغييريين قد أضاف ملفا جديدا الى لائحة الملفات المفتوحة لمجرد انه تحول مدار تعليق بين من استهجن الخطوة لألف سبب وسبب، او اولئك الذين رحبوا بها عدا عن الذين يبحثون عن اي خطوة او دعسة ناقصة للإساءة الى أصحابها والتشهير بهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي او بوسائل أخرى. لكن أحدا حتى الآن لم يبادر الى اعطاء اي فكرة او اقتراح لتطوير الخطوة والافادة منها تحقيقا لمجموعة الاهداف الدستورية والقانونية والسياسية التي عبرت عنها بلسان أصحابها المبادرين اليها، وما يمكن ان تقود اليه في غمرة التطورات الداخلية ومدى تأثرها وتأثيرها بما يجري في الخارج من حراك يلامس القضية اللبنانية والسعي الى تطويرها بما يؤدي الى التأسيس على ما أرادته، ان كان هناك قدرة على اتخاذ القرارات المؤدية الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
وبعيدا من كل ردات الفعل التي استدرجتها الخطوة، فان الحديث عنها في شكلها، قد لا يأخذ في المدى المنظور ما تستحقه، ذلك اننا نعيش في بلد لا يعطي هذه المبادرات اية أهمية فالقانون والدستور وإن لم يكن مدار جدل عقيم، فهو موضوع على اعلى الرفوف متى تحقق التوافق على اي خطوة تطعن وتسيء الى ما يقولان به. ولكن والحال الذي نعيشه فقد ترجم اصحاب المبادرة بخطوتهم مجموعة المواد الدستورية التي تستهل بها الحلقات الاحدى عشرة من مسلسل جلسات انتخاب الرئيس بحرفيتها، والتي تحدد الآلية التي يجب سلوكها من اجل انتخاب الرئيس بعد تحول المجلس النيابي الى هيئة ناخبة لا يحق له القيام بأي عمل آخر متى خلت سدة الرئاسة من شاغلها لأية علة او سبب.
أما وقد تجددت الفوضى الدستورية التي تستعاد مع نهاية كل ولاية رئاسية، فقد تحولت خطوة التغييريين الى مادة جديدة تقاس بالمعايير السياسية لا الدستورية ولا القانونية. ولذلك فإنها فتحت الابواب امام مجموعة جديدة من الاجتهادات الدستورية التي لا يمكن ان يؤدي النقاش من حولها الى اي نتيجة، هذا إن لن تزيد من حدة الاحتقان. فالتجربة النيابية التي نحن بصددها لم يعرفها المجلس النيابي من قبل ولا بد من قياسها بمجموعة من المعايير المفقودة لتبقيها حدثا يستقطب ردات الفعل داخل القاعة العامة للمجلس او خارجها، ولربما أثارت ما نشهد عليه من ترجمات شعبية في اكثر من منطقة سواء في العاصمة او في مناطق لبنانية مختلفة.
وعلى وقع مجموعة ردات الفعل التي انطلقت منذ عصر الخميس الماضي، فلم يسجل اي طرف بعد اي مبادرة يمكن ان تعطيها الزخم المنتظر. وباعتقاد البعض ان هناك مزيدا من الوقت للتفكير بما يمكن ان يؤدي الى تطويرها. فالمعتصمون لن يستسلموا بسرعة، وينوون البقاء في القاعة العامة وقد اتخذوا الاجراءات التي توحي بان الاعتصام سيطول، بانتظار ما يمكن ان ينميه من مجموعة الافكار التي تؤدي الى رفعه سواء انتهى الى مبتغاه مع صعوبة المهمة الى حدود الاستحالة او صرف النظر عنها.
وما بين هذين الخيارين المتناقضين، لم يظهر بعد ان هناك من بقدرته تطوير الخطوة ليعطيها الزخم المستحق. فالتحركات التي يقوم بها بعض النواب من كتل المعارضة والمستقلين وبعض الاحزاب لم تسفر عن اي خطوة عملية يمكن الاقدام عليها. وكل ذلك يجري في أجواء توحي ان انصار الفريق الآخر الذي يستخفون بالخطوة في صالوناتهم ما زالوا يتهيبون الهجوم المبرمج عليها وعلى أصحابها، مخافة ان تكون لها اي رات فعل غير محمودة خارجية قبل ان تكون داخلية، تؤدي الى تزخيمها وإعطائها البعد الذي يمكن ان يقودها الى ما هو افعل وأخطر.
وعليه، فان في الصالونات السياسية لمجموعة الكتل النيابية المنتقدة للخطوة، أكثر من سؤال. وما زالوا ينتظرون الإجابة عليها ومنها تلك التي تتحدث عن إمكان استدراج الدعم الديبلوماسي لها على أبواب محطات منتظرة في اكثر من عاصمة، وإعطائها الأبعاد التي يمكن ان تسيء الى الفريق الآخر المتمسك بالورقة البيضاء وبالاسماء او الشعارات المشتتة التي حفلت بها صندوقة الاقتراع قبل تطيير النصاب غير عابئين بالمواقف الاخرى التي تتقن المهمة النيابية بانتخاب أسماء علم معروفة ولا يرقى إليها اي شك سياسي او دستوري او قانوني وهو ما لا يمكن تجاهله عند تصنيف الأوراق الملغاة وتلك التي اكتسبها رئيس المجلس النيابي شرعية دستورية ويرفض تسجيل بعض الشعارات فيعتبرها أوراق ملغاة، ويعطي أخرى الحق بان تكتسب صفة معنوية او توصيفا مقبولا في جدول المقارنة التي تنتهي اليه عملية الفرز في نهاية كل جلسة قبل تطيير النصاب واقفال محضرها.
على اي حال، وأمام هذه الصورة البانورامية، لا يمكن التكهن بما ستحمله الأيام المقبلة بانتظار اي خطوة يمكن ان يقدم عليها رئيس المجلس النيابي، فمفتاح اي تغيير في ما يجري في القاعة العامة للمجلس لا يملكه أحد سواه، فان دعا الى جلسة انتخابية كما يتوهم البعض قبل الخميس المقبل قد تشكل منحى جديدا وتطورا اساسيا في مجرى الاعتصام ما خلا ذلك الذي يقود الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. وعليه، فإن ما يجري في ساحة النجمة قد أضاف ملفا خلافيا إلى مجموعة الملفات الاخرى مع الخوف بان ينشغل المعنيون به وتناسوا ان سعر صفيحة البنزين قد اقترب من مليون ليرة، وان ربطة الخبز على الطريق لتكون مصدرا لتجدد الطوابير امام الأفران بعدما ارتاحت محطات المحروقات منها. اما عن الادوية وكلفة الكهرباء الموزعة بين رسوم مؤسسة كهرباء لبنان الجديدة والمولدات الخاصة والطبابة والاستشفاء ومصير العام الدراسي فهي متروكة للاقدار في ظل عجز الوزراء المعنيين عن تجاوز مبدأ الشكوى التي تثبت عجزهم المتمادي عن حل اي منها ومعهم الحكومة مجتمعة التي تبحث عن انتصار وهمي لرئيسها متى استطاع جمعها بعدما تحولت ساحة نزاع بين اهل البيت الواحد دون نتيجة تنعكس على الوضع العام في البلاد.
طوني جبران - المركزية