في تصعيد جريء وتاريخي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم السبت 21 يونيو 2025، أن الجيش الأمريكي نفذ ضربات جوية دقيقة استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية: فوردو، نطنز، وأصفهان. هذه العملية، التي أُطلق عليها اسم "عملية المطرقة الليلية"، تمثل أول عمل عسكري أمريكي مباشر ضد إيران، وتحولاً كبيراً في الصراع الإسرائيلي الإيراني المستمر. ووصف ترمب الضربات بأنها نجاح عسكري مذهل مدعياً أن قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم دُمرت بالكامل.
في وجهة نظري أن هذا القرار أحد أصعب القرارات التي اتخذها ترمب، نظرًا لحجم التمرد داخل تياره "ماغا" ضده، بعد التقارير التي أفادت بأنه يدرس توجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وفي الأيام التي سبقت الضربات، واجه ترمب ضغوطًا من داخل حزبه، حيث دعا بعض مؤيدي "أمريكا أولاً" إلى عدم التدخل، بينما حث آخرون على اتخاذ إجراء حاسم ضد طموحات إيران النووية. وفي 14 يونيو، تناول ترمب هذا الانقسام، مصرحًا: "أنا من طور مصطلح 'أمريكا أولاً'... وأنا من يقرر ماذا يعني هذا المصطلح. لكل هؤلاء الأشخاص الرائعين الذين لا يريدون فعل أي شيء بشأن إيران، لا يمكن أن يكون هناك سلام إذا سُمح لإيران بامتلاك سلاح نووي".
هذه التصريحات أكدت أن عقيدة ترمب وشعاره "أمريكا أولاً" لا تعني الانعزالية أبدا.
وفي حديثه للصحفيين في وقت سابق من شهر يونيو، شدد على أن منع إيران من الحصول على أسلحة نووية أمر بالغ الأهمية للأمن القومي الأمريكي والاستقرار العالمي، بما يتماشى مع سياسته الخارجية الأوسع السلام من خلال القوة.
وقد ردد مؤيدون مثل السناتور تيد كروز هذا الشعور، مجادلين بأن إيران المسلحة نوويًا تشكل "التهديد المباشر الأكثر حدة لأمريكا وحلفائها". ومع ذلك، أثار قرار ضرب إيران جدلاً واسعا بين مؤيدي ترمب، حيث انتقدت النائبة مارجوري تايلور جرين والنائب توماس ماسي هذه الخطوة، مما دفع ترمب إلى شن هجوم عنيف ضد النائب الجمهوري توماس ماسي وتوعد بإسقاطه.
وفي الحقيقة، لم يسعَ ترمب للحرب، وقبل الضربات، سعى بجد وإخلاص إلى الحلول الدبلوماسية لتجنب العمل العسكري. فقد وافق على عقد اجتماع سري مع مسؤولين إيرانيين في إسطنبول، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن المسعى انهار عندما تعذر الوصول إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
لكن أعتقد أن ما زاد من صعوبة موقف ترمب أمام تيار "أمريكا أولاً" وحتى أمام الديمقراطيين هو تأكيد مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية في إدارته تولسي غابارد بأن إيران لا تسعى لصنع سلاح نووي، مما اضطره إلى مهاجمتها علنًا قائلاً إنها مخطئة.
هذه التصريحات شجعت تاكر كارلسون وستيف بانون على إعلان معارضتهما الشديدة لهذا التحرك. وهما شخصيتان بارزتان في حركة "ماغا" بحجة أن التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط وخاصة ضد إيران، يتعارض مع مبدأ "أمريكا أولاً" ويخاطر بعواقب كارثية على رئاسة ترمب ومكانة الولايات المتحدة العالمية، مستشهدين بتقييم مديرة الاستخبارات الأمريكية تولسي غابارد.
وحذر كارلسون من أن حربًا واسعة النطاق مع إيران يمكن أن تنهي رئاسة ترمب وتؤدي إلى نهاية الإمبراطورية الأمريكية. واتهم ترمب بأنه متواطئ في الضربات الإسرائيلية الأولية على إيران، مستشهدًا بالتمويل والدعم بالأسلحة الأمريكية. كما انتقد شخصيات إعلامية محافظة في فوكس نيوز مؤيدة للتدخل ومؤثرة على ترمب، مثل شون هانيتي ومارك ليفين، واصفًا إياهم بأنهم "دعاة حرب" يدفعون بسرد يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع آخر مكلف في الشرق الأوسط.
وفي بودكاست "War Room" لستيف بانون، أعرب كارلسون عن إعجابه الشخصي بترمب، لكنه جادل بأن التدخل الأمريكي سيضعف الأمة، قائلاً: "أنا خائف حقًا من أن بلدي سيضعف أكثر بسبب هذا الجهد". كما شكك في الحجة القائلة بأن إيران عدو وشيك، قائلاً: "لن تخبروني بمن يجب أن أكره!" ورغم اجتماع ترمب معه شخصيا قبل الهجوم بأيام معدودة أيد بانون، عراب انتصار ترمب في عام 2016، مخاوف كارلسون، وأكد أن وقف الحروب الأبدية هو مبدأ أساسي لحركة "ماغا". وجادل بأن التدخل الأمريكي في إيران سيصرف الانتباه عن الأولويات المحلية مثل عمليات الترحيل الجماعية والإصلاح الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى تفتيت قاعدة ناخبي ترمب. وحذر بانون من أن الشعب الأمريكي لا يمتلك الرغبة في حرب أخرى. كما أعرب عن تشككه في المزاعم الاستخباراتية الإسرائيلية التي تفيد بأن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، مشيرًا إلى أن ترمب لا ينبغي أن يثق بمثل هذه التقارير.
ويعتقد كلاهما أن الدخول في حرب مع إيران يمكن أن ينفر قاعدة ترمب، وخاصة الجناح الانعزالي من مؤيدي "ماغا"، مما قد يكلف الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. بينما أشار بانون إلى أنه يمكن أن "يمزق البلاد"، واستشهدا باستطلاعات الرأي، مثل استطلاع أجرته مؤسسة غراي هاوس، والذي أظهر أن 19٪ فقط من ناخبي ترمب في عام 2024 يدعمون التدخل العسكري الأمريكي في الصراع الإسرائيلي الإيراني، للتأكيد على عدم وجود دعم عام للعملية.
هذه الانتقادات الحادة دفعت ترمب إلى توبيخ كارلسون علنًا، واصفًا إياه بـالغريب على موقع تروث سوشيال ومقللًا من تأثيره، قائلاً: "دعه يذهب ويؤسس شبكة تلفزيونية ويقول ذلك حتى يستمع الناس". ومع ذلك، أشار ترمب لاحقًا إلى أن كارلسون اعتذر عن انتقاداته القوية.
لكن ما أظهره الجدل داخل الحزب الجمهوري بشأن دور أمريكا الريادي والعالمي يكشف الكثير من التغييرات العميقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ورفضها للتدخلات العسكرية حتى لدعم إسرائيل بعد فشل التدخل العسكري في أفغانستان والعراق ومعاناة المجتمع الأمريكي حتى اليوم بسبب هذه التدخلات المكلفة.
وإذا نجح ترمب في إنهاء البرنامج النووي الإيراني دون تكلفة أمريكية كبيرة، فسوف يُعتبر واحدًا من أهم إنجازاته السياسية التي سوف تزين إرثه السياسي وتضعه في قائمة الرؤساء الأمريكيين العظماء برفقة أبراهام لينكولن وجورج واشنطن وفرانكلين روزفلت ورونالد ريغان وغيرهم
العربية