سعت منشآت طبية في أبوظبي إلى تسخير الذكاء الاصطناعي في علاج وتشخيص السرطان، وتطوير علاجات جديدة عبر مناهج مبتكرة لتصميم الأدوية والتنبؤ باستجابة المرضى وغيرها، وذلك لفهم بيولوجيا السرطان وتسريع الجهود المبذولة للقضاء عليه وتحسين تجربة المرضى.
وتساعد أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي المقدمة عبر تلك المنشآت الطبية، في اتخاذ قرارات أفضل عند علاج المرضى، وإحداث نقلة نوعية في أبحاث السرطان الطبية الحيوية، مقدمة حلولاً مبتكرة وتشخيصات أكثر دقة وعلاجات أكثر فاعلية.
قال الدكتور محمد النعيمي، استشاري أورام الأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية: تتوافر لدينا في المدينة تقنيات حديثة لعلاج سرطانات الأطفال، منها الأدوية المناعية التي تستخدم جهاز المناعة لمحاربة الخلايا السرطانية، والذكية التي تستهدف تغيرات جزيئية معينة لعلاج السرطان، المعتمدة عالمياً وأثبتت كفاءتها بتجارب سريرية موثقة وتم اعتماد بعضها مؤخراً خلال الأشهر القليلة الماضية، وتم استخدامها فعلياً لعدد من المرضى في المدينة الطبية.
وذكر النعيمي أن أسباب حدوث سرطانات الأطفال في أغلب الحالات غير معروفة، وهناك 5 % وأقل من الحالات نتيجة استعداد وراثي للإصابة بسبب بعض الأمراض الجينية، وفي الغالبية لا يوجد سبب معروف؛ لأنه يحدث بشكل عام نتيجة طفرات جينية وتغيرات في الخلايا، يؤدي إلى تكاثر الخلايا السرطانية، لكن سبب حدوث الطفرات أو التغيرات غير معروفة في أغلب الحالات.
وأشار إلى أنه من أعراض سرطانات الأطفال شحوب الوجه والضعف العام والبقع الحمراء تحت الجلد أو نزيف الدم، وانتفاخات تحدث في الرقبة والبطن والحرارة المستمرة؛ لذا ننصح باتباع نظام غذائي سليم وممارسة الرياضة وأما ممن لديهم استعداد وراثي فيتطلب منهم العناية بالجلد، والتقليل من التعرض إلى أشعة الشمس المباشرة واستخدام كريمات الوقاية، وتقليل التعرض للإشعاع، مثل التصوير بالأشعة المقطعية والسينية، وهذا يعتمد على نوع المرض الجيني، وغيرها.
وأضاف د. محمد النعيمي: نستخدم الذكاء الاصطناعي في علاج السرطانات، منها طرق التشخيص باستخدام أجهزة عالية الدقة، وفحوص متقدمة تظهر نتائجها إلكترونياً، وتتم قراءتها من قبل الطبيب، وبروتوكولات عالمية معتمدة ويتم استخدام البرامج الإلكترونية في النظام الصحي للمستشفى، بحيث تتم كتابة الأدوية الكيماوية إلكترونياً والتي تمت مراجعتها مسبقاً لتقليل احتمالية حدوث الأخطاء الطبية، التي يتم التدقيق عليها قبل صرف الدواء ولتوحيد الممارسة الطبية مع سهولة مراجعتها والعودة إليها. وذكر أن المدينة تعالج جميع أنواع سرطانات الأطفال، منها سرطانات الدم أو ما يعرف باللوكيميا، وسرطانات العقد اللمفاوية وسرطانات الأعضاء الداخلية الصلبة، منها الكلى والعظام والأنسجة العضلية والكبد وسرطان الدماغ والحبل الشوكي، ونسب الشفاء عالية عموماً وتوازي النتائج العالمية في الدول المتقدمة، وتختلف نسبة الشفاء من مرض إلى آخر ومن طفل إلى آخر، حسب عوامل مختلفة، ولكن بشكل عام تعتبر عالية مقارنة بسرطان الكبار، حيث تتراوح نسبة الشفاء بين 80% و85% بشكل عام، وترتفع نسبة الشفاء للمصابين ببعض الأنواع إلى 95 - 100% في المدينة.
قفزة نوعية
من جانبه، قال الدكتور المرتضى ملا خضير، استشاري طب الأورام في مدينة الشيخ شخبوط الطبية: شهدت السنوات الأخيرة قفزة كبيره على مستويات عدة لتشخيص وعلاج الأورام السرطانية، منها التقدم في العلاجات الدقيقة، منها العلاجات المناعية والموجهة، والجراحات طفيفة التداخل كجراحة المناظير والروبوتية، وفي دقة استهداف العلاجات الإشعاعية مع التقليل من الأعراض الجانبية للأنسجة الطبيعية المجاورة.
وذكر أن هناك عوامل خطورة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، منها التدخين واستهلاك اللحوم المصنعة، السمنة وقلة النشاط البدني، وبالعمر عامل خطورة للإصابة نتيجة تراكم الطفرات الخلوية مع مرور الوقت،
وتشكل العوامل الوراثية نسبة قليلة نسبياً كمسبب للأورام السرطانية، وبعض الأنواع تحدث على خلفية الإصابة بفيروسات أو ميكروبات معينة.
وأشار إلى أن أعراض السرطان تختلف باختلاف منشئها ومكانها في الجسم، السرطان في مراحله المبكرة قد لا يسبب أي أعراض وهنا تكمن فائدة الفحوص المبكرة والمراجعات الدورية، لكن توجد أعراض يمكن وصفها بالعامة تستدعي مراجعة الطبيب، منها فقدان الوزن غير المقصود وغير المبرر، التعب والنحول المستمر وغير المبرر، وجود كتل أو تورم دون سبب واضح.
الوقاية
وأوضح د. المرتضى ملا خضير أنه على الرغم من عدم وجود وسيلة تمنع السرطان تماماً، توجد سبل لتقليل خطورة الإصابة، أهمها الامتناع عن التدخين، واتباع نظام حياة صحي بتقليل تناول اللحوم المصنعة.. وتناول غذاء غني بالخضار والفواكه والحبوب الكاملة، وممارسة الرياضة بمعدل 30 دقيقة يومياً، والحفاظ على وزن صحي، والتحصين باللقاحات التشخيص المبكر، وهو العامل الأهم للشفاء من الأورام.
ولفت إلى أن المدينة الطبية تعتمد أحدث أساليب التشخيص والعلاج، منها تسخير الذكاء الاصطناعي لتشخيص وعلاج أكثر دقة وملاءمة، في تنظير القولون لتحديد السلائل بدقة، التي قد تتحول مع مرور الوقت إلى سرطان ومن المهم تحديدها وإزالتها، وفي تحليل بيانات المرضى في التجارب السريرية والتي بدورها تساعد على اكتشاف وتحديد أفضل العلاجات، والتنبؤ بمسار الأورام وإمكانية الاستجابة للعلاجات المختلفة.
وذكر أن المدينة تضم فرقاً من الخبراء متعددي الاختصاصات بخبرات عالمية، لعلاج الأورام الشائعة، منها أورام الثدي والقولون والرئة وعلاج الأورام النادرة «كالساركوما» وأورام الأنسجة الرخوة وغيرها.
معدلات الشفاء
قال د. المرتضى ملا خضير: تختلف معدلات الشفاء حسب نوع ومرحلة الورم، لكن بصورة عامة تتجاوز نسبه الشفاء 90 % لكثير من الأورام عند تشخيصها بمراحلها الأولية، وهنا نؤكد أهمية الكشف المبكر لتحقيق أعلى نسب للشفاء، بينما يتمثل أهم العوامل في تحقيق النتائج الإيجابية المريض نفسه والتزامه بالفحوص الدورية.
أحدث الابتكارات
أوضح الدكتور إبراهيم أبوغيدا، المدير الطبي لمعهد برجيل للأورام في أبوظبي، أن المعهد يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لعلاج السرطان، حيث يدمج بين أحدث الابتكارات التكنولوجية والرعاية الطبية المتخصصة، ومن هذه التقنيات والعلاجات المتقدمة، العلاجات الذكية، و العلاج المناعي المتقدم، والعلاج الجيني، وسعى إلى تطوير حلول علاجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث تفيد هذه العلاجات والتقنيات المتطورة في تحديد المستضدات المرتبطة بالسرطان، مما يسهم في تصميم علاجات مخصصة وفعّالة.
وأضاف: «يوظف المعهد الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الطبية لتحديد نوع الورم بكافة أنواعه ومراحله، مثل ما نقوم بتطبيقه في مركز رعاية الثدي، ويتم تخصيص خطط العلاج بناءً على البيانات الجينية والتاريخ الطبي للمريض، ومراقبة استجابة المرضى للعلاج وتعديل الخطط العلاجية وفقاً لذلك، وتوفير برنامج الروبوتات الجراحية «نظام ربوت دافنشي» الذي يضم جراحين متخصصين بتخصصاتهم الدقيقة التي تشمل الأورام النسائية وأورام الجهاز الهضمي وأورام الدماغ لتنفيذ عمليات جراحية دقيقة مع الحد الأدنى من التدخل الجراحي، إضافة لتقنيات العلاج الإشعاعي، حيث نستخدم الجراحة الإشعاعية التجسيمية (SRS) والجراحة الإشعاعية التجسيمية التكيفية (SBRT) لعلاج الأورام بدقة عالية، وبرنامج زراعة نخاع العظم للأطفال والبالغين، والطب النووي الذي يساهم في التشخيص الدقيق للمرض، حيث يسهم جزء هذه من هذه التقنيات في التشخيص الدقيق والجزء العلاجي يسهم في تحسين نتائج العلاج، وتقليل الآثار الجانبية».
ولفت إلى أن المدينة الطبية تسعى إلى تعزيز الابتكار والبحث العلمي في علاج السرطان من خلال شراكات استراتيجية، منها بحث تطوير العلاجات والتشخيص عبر الفحوص الحديثة عالمياً، بما يأتي في مصلحة المريض ودعم رحلته العلاجية، بتجربة متميزة، مشيراً إلى أن التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يؤتي ثماره بمفرده كوسيلة إنما يبقى العنصر البشري المتمثل في الخبرات الطبية المتمكنة والمتخصصة هو العامل الأهم في التشخيص وبحث أفضل الطرق لعلاجه بحسب كل حالة، مثل الطب الدقيق أو الشخصي، والطب التكميلي وطب الجينات.
علاجات أكثر دقة
وقال الدكتور محمد مصري، طبيب استشاري في طبّ الأورام، معهد الأورام في كليفلاند كلينك أبوظبي: في السنوات الأخيرة، شهد علاج السرطان تطوراً مذهلاً وتقنيات متقدمة ومصممة خصيصاً لاستهداف أنواع ومراحل متعددة من المرض، وتعكس الابتكارات توجهاً عاماً نحو علاجات أكثر دقّة وخصوصية، وأقل تدخلاً جراحياً، بما يُحسّن النتائج ويقلل الآثار الجانبية، منها التقنيات الجراحية، لكن ما تزال الجراحة ركيزة أساسية في علاج السرطان، وخاصة الأورام الصلبة، وإلى جانب الجراحة المفتوحة التقليدية التي ما تزال تُستخدم في العديد من الحالات، ظهرت تقنيات جديدة مثل الجراحة التنظيرية (محدودة التدخل).
وأضاف: الجراحة بمساعدة الروبوت تُوفر درجة عالية من الدقّة والتحكم، وخصوصاً في الإجراءات الدقيقة والمعقّدة والعلاج المنهجي يُعطى عبر مجرى الدم، ويستهدف الخلايا السرطانية في جميع أنحاء الجسم، وتشمل العلاج الكيميائي يستخدم أدوية سامة للخلايا تستهدف الخلايا السرطانية سريعة الانقسام والعلاج المناعي يُحفز الجهاز المناعي للجسم للتعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها، والعلاج الموجّه يُركز على طفرات جينية أو بروتينات معينة في الخلايا السرطانية، بما يُقلل الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة والأجسام المضادة ثنائية التخصص شكل مبتكر من العلاج المناعي يربط بين الخلايا المناعية والخلايا السرطانية، مما يُعزز الاستجابة المناعية وغيرها. وذكر د. محمد مصري أن «كليفلاند كلينك»، يسهم الذكاء الاصطناعي بدور تحوّلي متزايد في تشخيص السرطان وعلاجه، حيث يساعد في تعزيز الدقة، وتسريع الكفاءة، ودعم الاكتشاف المبكر عبر مختلف التخصّصات الطبية، ومن أبرز تطبيقاته المنظار القولوني المدعوم بالذكاء الاصطناعي، ويساعد الذكاء الاصطناعي في إعادة صياغة آلية فحص سرطان القولون والمستقيم من خلال أنظمة الكشف CADe والتشخيص CADx بمساعدة الكمبيوتر، حيث تساعد هذه الأدوات أخصائي التنظير الداخلي في تحديد الزوائد الدقيقة والأورام في مراحلها المبكرة، والتي من الممكن عدم ملاحظتها في طرق الكشف التقليدية.
وأضاف: الذكاء الاصطناعي في علم أمراض الأنسجة لتحليل الصور الرقمية للأنسجة، عبر خوارزميات التعلم الآلي والنماذج العميقة، ما يمكّنه من الكشف عن أنماط معقدة يصعب تمييزها بالعين المجردة. ومن خلال تدريبه على قواعد بيانات ضخمة تحتوي على صور مشروحة، يتمكن هذا الذكاء من التفرقة بين الأنسجة الحميدة والخبيثة، ويُصنّف الأنواع الفرعية للسرطان، ولتنبؤ بمسار تطوره بناء على البيانات.
وذكر أن الذكاء الاصطناعي يستخدم في تصوير الثدي ويُعزّز من دقّة فحوص الثدي الشعاعية «ماموغرام»، ويدعم اتخاذ القرار السريري، ويسرّع الكشف ويُعزّز دقتها وموثوقية النتائج، وإمكانية تخصيص العلاج عبر تحليل البيانات الوراثية والصور الطبية لتوقع استجابة المريض للعلاج.
رعاية المرضى
أشار الدكتور محمد مصري إلى أن «كليفلاند كلينك أبوظبي» يتبنى نهجاً علاجياً شاملاً متعدّد التخصّصات يُركز على رعاية المرضى، وتشمل أكثر أنواع السرطان التي يتم التعامل معها سرطان الثدي يُعتبر هذا النوع الأكثر شيوعاً في أبوظبي، ويحتل المرتبة الرابعة في مسببات الوفاة بالسرطان في الإمارة، وسرطان الغدة الدرقية، وسرطان القولون، والمستقيم وسرطان الرئة والجلد.
الخلايا التائية
أكد الدكتور عجلان الزاكي، مدير مركز برجيل لأمراض الدم والأورام والعلاج الخلوي، أن الإمارات تُعد من الدول الرائدة إقليمياً في تبني أحدث تقنيات علاج السرطان، حيث تشهد منظومتها الصحية تطورات متسارعة، تشمل العلاجات المبتكرة، والتشخيص الدقيق، والرعاية الشخصية، ويعتبر العلاج بالخلايا التائية الأحدث في العالم، حيث يتعاون معهد الابتكار التكنولوجي مع مدينة برجيل الطبية لتطوير علاجات مناعية متقدمة تعتمد على الخلايا التائية، مثل CAR-T وTIL، والتي تُعزز قدرة الجهاز المناعي على مهاجمة الخلايا السرطانية بفعالية، خاصة في الحالات المتقدمة.
وأشار إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج وتحليل البيانات الطبية وتحديد أفضل خيارات العلاج لمرضى السرطان، مما يُحسن دقة التشخيص، ويُسرّع اتخاذ القرارات العلاجية، كما يتم تحليل الجينات، وتقديم خطط علاجية مخصصة بناءً على التركيبة الجينية، مما يُعزز فعالية العلاج ويُقلل من الآثار الجانبية، منوهاً بأن تقنيات التصوير الحديثة، مثل الموجات فوق الصوتية عالية الدقة، تسهم في تحسين الكشف المبكر عن السرطان ومراقبة فعالية العلاج، مما يُتيح فرصاً أفضل للشفاء.
وأكد أنه في الإمارات، يتم علاج معظم أنواع السرطان الشائعة والنادرة باستخدام تقنيات حديثة وبروتوكولات علاجية معتمدة عالمياً، ضمن مستشفيات ومراكز طبية متقدمة، وأبرز أنواع السرطانات التي يتم علاجها سرطان الثدي، وهو الأكثر شيوعاً بين النساء، حيث توفر له تشخيص مبكر، علاج جراحي، إشعاعي، كيميائي، وغيرها، وسرطان القولون والمستقيم، وسرطان الرئة، والدم والكبد والبنكرياس وسرطان الغدد اللمفاوية «اللمفوما»، وغيرها، حيث تتوافر استشارات دولية وتعاون مع مراكز أبحاث عالمية.
وذكر أن الأسباب الشائعة للسرطان في الإمارات، هي عوامل نمط الحياة، كذلك التدخين أحد مسببات سرطان الرئة والمثانة والحنجرة، وقلة النشاط البدني، والنظام الغذائي الغني بالدهون واللحوم المصنعة والسمنة مرتبطة بسرطان الثدي، القولون، والكبد والتعرض لأشعة الشمس القوية من دون حماية يؤدي إلى سرطان الجلد، إضافة إلى العوامل الوراثية، مثل وجود تاريخ عائلي للسرطان.