رغم الهجمات الجوية الإسرائيلية التي تواجهها إيران وأدت إلى خسائر مادية وعسكرية جسيمة، ورغم الانخراط الأميركي الجزئي في الحرب بعد استهداف واشنطن 3 مواقع نووية إيرانية، فإن الفصائل المسلحة العراقية الحليفة لإيران، والمنخرطة في ما يسمى "محور المقاومة"، ما زالت تلتزم "الحياد"، وتنأى بنفسها عن المشاركة في الحرب، رغم تصريحات سابقة من بعض قادتها بأنها ستنخرط في الحرب في حال مشاركة الولايات المتحدة الأميركية فيها إلى جانب إسرائيل.
ويؤكد بعض عناصر وقادة الفصائل أن إيران "ليست بحاجة" إليهم في هذه المرحلة من الصراع، لكن أيديهم على "الزناد"، وينتظرون تعليمات المرشد الإيراني علي خامنئي.
ويعبر عن هذا الاتجاه أكثر من شخصية قيادية داخل جماعات الفصائل، حيث قال القيادي في حركة "عصائب أهل الحق" عضو مكتبها السياسي، سلام الجزائري، إن "إيران لا تحتاج تدخل الفصائل العراقية، وفضلت عدم الانجرار وراء إسرائيل لأنها تريد حرباً شاملة".
وأضاف الجزائري، في تصريح الأحد، أن "الجمهورية الإسلامية لن تُترك وحدها، والفصائل تنتظر إشارة المرشد علي خامنئي الذي سيعيد (السبي الإسرائيلي) قريباً جداً".
ومع أن بعض الفصائل أصدرت بيانات إدانة واستنكار واسعين بعد الانخراط الأميركي في الحرب، فإنها لم تتخذ أي خطوة من شأنها المشاركة في الحرب لمصلحة إيران. ورغم أن عدم انخراط الفصائل حتى الآن يحظى بترحيب الأوساط الحكومية والحزبية، فإنه يعرضها أيضاً لانتقادات شديدة من قبل خصومها الذين يتهمونها بـ"التهاون وعدم الجدية" في موقفها من الحرب بالقياس إلى "الشعارات النارية" التي كانت ترفعها قبل اندلاعها.
وحتى دخول الحرب الإسرائيلية الإيرانية أسبوعها الثاني، لم تتحرك الفصائل المسلحة بأي اتجاه، وتلتزم سلوكاً صارماً بعدم المشاركة في الحرب حتى الآن، لكنها خسرت أحد قياداتها في ضربة إسرائيلية داخل إيران.
ونعت "كتائب سيد الشهداء"، السبت الماضي، مسؤول القوة الأمنية فيها حيدر الموسوي، بعد استهدافه بغارة إسرائيلية على الشريط الحدودي بين العراق وإيران.
ويبدو أن مصرع الموسوي كان "نتيجة عرضية" لاستهداف أبو علي الخليل، المرافق السابق لأمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله.
ونعى قائد "عمليات واسط" وآمر "اللواء الرابع عشر" في "هيئة الحشد الشعبي"، أحمد خضير المكصوصي، في وقت سابق، حيدر الموسوي.
وشيعت "هيئة الحشد الشعبي" جثماني حيدر الموسوي وأبو علي الخليل، الأحد، وانطلقت مراسم التشييع من باحة المديرية العامة لإعلام "الحشد الشعبي" في بغداد، وفق بيان من "الهيئة".
وسبق أن قال المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، الشيخ كاظم الفرطوسي، إن "مشارَكة الفصائل في الحرب الجارية لن تترك التأثير الاستراتيجي المطلوب".
وأضاف أن "الإمكانات المتوفرة لدى الفصائل لن تغيِّر الموازين في ظل حرب شرسة تُستخدَم فيها صنوف الصواريخ والتقنيات والمعدات العسكرية الفتاكة".
أسباب عدة لعدم المشاركة
وبغض النظر عن القدرات والإمكانات الذاتية، "المتواضعة قياساً بالحرب الدائرة"، التي تملكها جماعات الفصائل، والتي قد تدفع بها إلى عدم التورط في الحرب، فان أسباباً خارج إطار تلك الفصائل قد ساهمت وتساهم مساهمة فعالة في ذلك، وضمنها التحركات واسعة النطاق التي خاضتها حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني منذ اندلاع الحرب في غزة ولبنان وانتهاء بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حيث تتحرك الحكومة على مستويات كثيرة لإقناع الفصائل بأن أي تحرك قد يؤدي إلى جر البلاد إلى الحرب، وهذه التحركات كانت دائماً ما تستند إلى معلومات وتحذيرات أميركية بأن أي مشاركة من الفصائل في الحرب "ستؤدي إلى تلقيها ضربات عسكرية شديدة من واشنطن" وفق مسؤولين رسميين.
رسائل السوداني
ويقول الباحث في شؤون الفصائل والجماعات الإسلامية، نزار حيدر، لـ"الشرق الأوسط" إن "إمكانية التدمير التي قد تتعرض لها الفصائل المسلحة من قبل أميركا في حال اشتراكها إلى جانب إيران، واردة جداً".
وأضاف أن رئيس الوزراء محمد السوداني "يواصل نقل الرسائل التحذيرية إلى الفصائل، وذكَّر قادتها بالمصير الذي سيواجهه العراق إذا ما تهورت الفصائل في قراراتها الأمنية والعسكرية".
دعوة برلمانية
بدورها، دعت لجنة الأمن والدفاع النيابية الفصائل إلى "عدم التصعيد ضد المصالح والأهداف الأميركية في العراق والمنطقة". وقال عضو اللجنة ياسر وتوت، في تصريحات صحافية الاثنين، إن "على الفصائل التريث في اتخاذ أي قرار يمكن أن يضر بالاستقرار السياسي والأمني في العراق، فأي تصعيد ضد الأميركيين قد يدفع نحو التصعيد، وهذا ما نحذر منه، ويجب التعامل بحذر مع قضايا مهمة وحساسة كهذه تؤثر على الأمن القومي العراقي والاستقرار الداخلي".
وأضاف أن "الحكومة العراقية، مدعومة بمواقف برلمانية، تسعى إلى تجنيب البلاد أي تداعيات مباشرة للصراع، خصوصاً أن العراق لا يزال يعاني من تحديات أمنية واقتصادية وسياسية داخلية، تجعل من أي تصعيد خارجي عامل تهديد خطير لاستقراره الهش".