دولي

نجاحات "الموساد" داخل إيران مهّدت لإسرائيل السيطرة على سمائها

نجاحات

بدأ اهتمام الموساد بالعمل في إيران، عام 2003، عندما قرر رئيس الوزراء (يومذاك) أرئيل شارون، وضع الخطط اللازمة لتدمير المشروع النووي الإيراني.

في ذلك العام، كان دافيد برنياع ضابطاً متميزاً وحصل على أول «وسام تفوّق» إثر عملية سريّة ناجحة نفّذها مع قائده يوسي كوهن. ثم نتيجة للنشاطات التي نفذها الموساد خلال السنوات السبع التالية، توصّل إلى قناعة بأن إيران تتمتّع بقدرات عسكرية وأمنية كبيرة، إلا أنها بعيدة عن الوصول إلى التسلح النووي، وأن اختراقها أمنياً يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد.

وعندما طلب نتنياهو ووزير دفاعه (أنذاك) إيهود باراك، عام 2011 الإعداد لحرب على إيران، قال لهما مئير دجان، إن حرباً كهذه «تُشن فقط عندما نشعر بأن السكين على الرقبة... وفي الوقت الحاضر السكين ليست على الرقبة». وفي حينه، وافقه على ذلك كل من قيادة الجيش والمخابرات. وهكذا تفجّرت «حرب» بين الطرفين، وبدأ اليمين الإسرائيلي التحريض على هذه القيادات ويستخف بالجنرالات.

في تلك الأثناء أخذ الموساد ينظم حرباً أخرى على إيران، البعض يسميها «حرب الظلال». ووفق يوسي ميلمان، فإن إيران نظمت عمليات اغتيال لشخصيات دبلوماسية في الخارج وتنظيم اعتداءات على السفارات والإسرائيلية والمؤسسات اليهودية وحتى السياح الإسرائيليين (في مدينة بورغاس البلغارية مثلاً). وخلال الفترة التي قاد فيها كوهن وبرنياع الجهاز بدأ «التفتيش» عن الأشخاص الذين ينظمون هذه العمليات في «الحرس الثوري» الإيراني. وتحت هذا العنوان بدأ العمل داخل الأراضي الإيرانية.

هنا نشأت الحاجة إلى خبراء في تجنيد العملاء. ولكن وفق مراسل لصحيفة «مكور ريشون»، لم تكن تلك مهمة صعبة «لأن النظام الإيراني أدار سياسة قمع وبطش وعنف تسبّبت في خلق مجموعات كبيرة من الأعداء له، الذين كانوا يريدون الانتقام لكرامتهم ولكرامة أفراد عائلاتهم من ظلم السلطة وظلامها».

مع هذا، تجنيد عدد كبير من العملاء، ما كان السبيل الوحيد. فأجهزة الأمن الإسرائيلية لا تثق بعملائها، وهي أيضاً خلقت لنفسها أعداء كثيرين في كل مكان في العالم، وبالأخص، في العالمين العربي والإسلامي. لذا؛ راح «فرع الموساد في طهران» يسعى لاستخدام الوسائل التكنولوجية والذكاء الاصطناعي. ونشر نشاطه على أماكن عدة في أرجاء إيران كي لا يقتصر عمله على طهران.

وهكذا، مع التعمّق أكثر في الدوائر الإيرانية أخذت تتطور فكرة اغتيال علماء النووي وتصفية قادة الدوائر الذين يخططون العمليات ضد إسرائيل. وأسس ما سمّي «جيش الدراجات النارية»، الذي ضم عملاء في الموساد ينفذون عمليات تفجير عن طريق إلصاق قنابل على السيارات المستهدفة، و«قافلة الشاحنات» التي كانت تطلق صواريخ وطائرات مسيّرة لاغتيال شخصيات إيرانية من داخل إيران وغيرها.

وحقاً، في أواخر يناير (كانون الثاني) من عام 2018، عندما كان برنياع نائباً لرئيس الجهاز، اقتحم عشرات العناصر التابعين للموساد منشأة تخزين في منطقة صناعية على بعد 30 كلم من العاصمة طهران، حملوا الأرشيف النووي خلال أقل من سبع ساعات، ونقلوه إلى إسرائيل. يومها كانت زنة الغنيمة نصف طن من المحفوظات النووية السريّة، وغادروا المكان من دون أن يخلفوا وراءهم أي أثر.

كانت تلك واحدة من أكثر عمليات السرقة جرأة في تاريخ إيران، لكن المسؤولين الإيرانيين التزموا الصمت وتكتّموا عليها بشكل كامل، إلى أن كشف الأمر نتنياهو، بعد ثلاثة شهور، في إطار معركته الانتخابية.

بعدها، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تعرّض موكب يقلّ محسن فخري زاده، شيخ علماء الذرّة، لإطلاق نار. فقُتل بسلاح رشاش يعمل بالتحكّم عن بعد بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وكان لافتاً أن زوجته التي رافقته إلى رحلة استجمام، لم تصب وكذلك السائق والمرافقون.

وخلال الفترة التي تولى فيها برنياع منصب الرئيس، شهد الاهتمام بإيران قفزة في عمل الموساد كان عنوانها «اختراق العمق الإيراني والعمل هناك من داخل الداخل». وكان من أبرز عمليات الموساد، غير المألوفة، دخول ضابطه إلى إيران واعتقال عنصر في «فيلق القدس» اسمه منصور رسولي، والتحقيق معه داخل منزل تابع للموساد حول عمليات اغتيال أحد الموظفين في القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول وجنرال في الجيش الأميركي في ألمانيا وصحافي فرنسي.

ولقد وثَّق الموساد التحقيق، وفيه روى رسولي أنه قبض مبلغ 150 ألف دولار لتنفيذ مهمته، وأدلى بأسماء أعضاء الخلايا الذين وافقوا على تنفيذ المهمات الثلاث... وقد اعتُقلوا كلهم. وكانت هذه الحادثة حافزاً لبناء علاقات تعاون مع المخابرات التركية، أدى إلى كشف خلايا إيرانية أخرى تخطّط لتنفيذ عمليات إرهاب ضد السيّاح الإسرائيليين وغيرهم في تركيا.

كان الغرض أيضاً من هذا الكشف، التأثير على المفاوضات التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي (في حينه) جو بايدن مع إيران لأجل إبرام اتفاق نووي جديد بدلاً من الاتفاق الذي كان الرئيس باراك أوباما وقادة الدول الكبرى قد أبرموه مع إيران في 2025، لكن الرئيس دونالد ترمب انسحب منه عام 2018.

الهدف الإسرائيلي في حينه كان التأثير على الأميركيين لمنعهم من التوصل لاتفاق، وإن رفضوا فالتأثير كي يضعوا شروطاً قاسية في الاتفاق تتعلق ليس فقط بالنووي، بل أيضاً بالصواريخ وبدعم الميليشيات في المنطقة، وكذلك التأكيد على أن إيران تدعم الإرهاب.

وجنباً إلى جنب مع هذا النشاط، وقعت سلسلة اغتيالات جديدة لعلماء إيرانيين وبعض قادة «الحرس الثوري»، وجرت تجربة إطلاق طائرات مسيّرة على مواقع تابعة لـ«الحرس الثوري». وفي غضون شهور، اتسع نطاق عمليات أفراد الموساد على الأراضي الإيرانية، حتى باتوا على امتدادها يشكلون فرعاً كبيراً وقوياً، لديه مقار سرية وسيارات وشاحنات ومصانع لتركيب المسيرات وأنواع عدة من الأسلحة. ووفق مصدر عسكري إسرائيلي، فإنه لولاها لما تمكنت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي من تنفيذ غاراتها وإصابة أهدافها. وتابع المصدر أن «الطيران في سماء إيران كان، بفضل الموساد، أكثر أمناً من الطيران في سماء سوريا والعراق».

يقرأون الآن