خطاب النصر

شهد العالم فى الأشهر الثلاثة الماضية حربين، أولهما الحرب الباكستانية الهندية، والثانية الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية، واللافت أن قادة هذه الدول أعلنوا جميعا أنهم انتصروا رغم الطبيعة المختلفة لكلا الحربين.

وقد صرح مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئى: «أبارك هذا الانتصار على الكيان الصهيونى الزائف»، أما الرئيس الإيرانى مهدى بزشكيان فقال إن المقاومة البطولية لأمتنا العظيمة أرست نهاية لهذه الحرب التى فرضتها المغامرة والاستفزاز الإسرائيلى وتحقق لأمتنا «النصر العظيم»، أما رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فقد قال: «لقد حققنا نصرا عظيما ضد الظالم الذى جاء لتدميرنا».

وإذا أضفنا لهؤلاء ما قاله الرئيس ترامب عن انتصار القوات الأمريكية ونجاحها الساحق فى تدمير منشآت إيران النووية، خاصة منشآتها المحصنة فى «فوردو» فنصبح لأول مرة أمام خطاب نصر ضم الطرفين المتحاربين ومعهما القوى العظمى الأولى فى العالم.

أما قادة الهند وباكستان فقد تباروا فى الحديث عن انتصار وعن إعطاء العدو درسًا سيجعله لا يكرر فعلته مرة أخرى.

والحقيقة أن ادعاء النصر من كل الأطراف يرجع إلى أنهم جميعا لم ينتصروا بشكل كامل، ولم يستطيعوا تحقيق أهدافهم المعلنة على الأقل من هذه الحروب، وبقيت كثير من القضايا العالقة بينهم دون حل.

لقد اتهمت باكستان الهند بأنها تسعى لتغيير الوضع الديموجرافى لسكان جامو وكشمير بالعمل على زيادة أعداد السكان الهندوس فى الإقليم، كما تصاعد الخلاف عقب إعلان نيودلهى إلغاء اتفاقية مياه الإندوز الموقعة بين البلدين عام ١٩٦٠، والتى تنظم حقوق كل منهما فى نهر الإندوز ومجموعة أنهار وسدود أخرى، وهو ما اعتبرته باكستان تهديدا لأمنها القومى، وكان أحد أسباب اشتعال الحرب وهى مشكلة لاتزال حتى اللحظة بلا حل.

أما الحرب الإيرانية الإسرائيلية فسنجد أن تل أبيب وخلفها واشنطن تصورت لحظة اشتعال الحرب وبعد نجاحها الاستخباراتى فى اختراق إيران واغتيال عشرات القادة العسكريين الكبار وعلماء نوويين، أنها يمكن أن تجبر طهران على الاستسلام، وهو ما لم يحدث، وظلت إيران حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار قادرة على الرد واستهداف أكثر من مدينة داخل إسرائيل وربما كانت المشاهد المصورة للدمار الذى أصاب مدينة بئر السبع خير دليل على قوة الرد الإيرانى.

إن مسألة معركة واحدة و«نصرين» أمر غير معتاد فى الحروب التقليدية، وكونها تكررت مرتين فى ثلاثة أشهر يعنى أننا أمام حروب غير حاسمة تنتهى بهزيمة واستسلام طرف وانتصار كامل لآخر، ولأن هذه الحروب «رمادية» وغامضة ولا يستطيع كل طرف حسمها بشكل كامل لصالحه فيدخل فيها الإعلام والصورة ووسائل التواصل الاجتماعى وحتى «اللجان الإلكترونية» للترويج لأخبار معظمها غير حقيقى ولعل الصور التى شهدها العالم للطيارين الباكستانيين والمقاتلين الإيرانيين تقول إن الذكاء الصناعى دخل أيضا فى هذه الحروب.

المصري اليوم

يقرأون الآن