لبنان

المعادلة تتغير.. "الحزب" أمام "القرار الأخطر في تاريخه"

المعادلة تتغير..

في تقرير مطوّل نُشر في صحيفة "الأوبزورفر" البريطانية، سلّط الكاتب أوليفر مارسدن الضوء على مفترق الطرق المصيري الذي يواجهه حزب الله، في ظلّ سلسلة من الانتكاسات الإقليمية والمحلية التي خلّفت آثارًا عميقة على بنيته العسكرية والسياسية، وصولًا إلى الحديث عن نزع السلاح لأول مرة كخيار مطروح بجدية على طاولة المفاوضات.

التقرير يبدأ بمشهد رمزي: رجال يضربون صدورهم في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، يرفعون رايات حزب الله في مسيرات يوم عاشوراء، في مشهدٍ يوحي بالتماسك الشعبي، لكنه يخفي تحت سطحه معاناة هائلة من الخسائر. فقد خلّفت الحرب الأخيرة مع إسرائيل آلاف القتلى بين صفوف الحزب، واغتيال قياداته، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية في مناطق نفوذه.

سلسلة الانهيارات الإقليمية تفاقمت بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو الحليف المحوري للحزب. انسحب مقاتلو حزب الله فجأة من الأراضي السورية، خاسرين بذلك خط الإمداد الحيوي من طهران عبر دمشق، في وقت لم تعد فيه إيران قادرة على مدّ يد العون بسبب الحرب المدمرة التي خاضتها مؤخرًا مع إسرائيل.

ونقلت الصحيفة عن الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، قوله: "حزب الله كتنظيم عسكري بات من الماضي. عليهم الآن مواجهة لحظة الحقيقة"، مضيفًا أن الضغوط تأتي من "الإسرائيليين والأميركيين وحتى من مجموعات إسلامية أخرى، كلّها تطالب بنزع سلاح الحزب".

لكن هذا الطرح، وفق التقرير، لا يحظى بالإجماع داخل الحزب نفسه. فبالنسبة للبعض، يُعدّ نزع السلاح تهديدًا وجوديًا. ويُورد الكاتب شهادة أحد المقاتلين واسمه علي (39 عامًا)، ميكانيكي من الضاحية ومقاتل في الحزب، يقول فيها: "ربما أصبنا بضرر، لكننا لم ننتهِ. لماذا نتخلى عن السلاح بينما تقتل إسرائيل المدنيين كل يوم؟ لن نتنازل عن أسلحتنا الأساسية".

ويضيف علي بحزن: "بصراحة، أنا مكتئب. خسرنا أعزّ الناس: أصدقاء، جيران، أفراد من العائلة، وحتى أملاكنا. لكننا قمنا بواجبنا الإسلامي".

في المقابل، يكشف التقرير أن الولايات المتحدة قدّمت عرضًا جديًا يتضمن وقفًا للضربات الإسرائيلية، وانسحابًا من الأراضي اللبنانية، وإفراجًا عن الأسرى، مقابل تفكيك الترسانة العسكرية للحزب، مع وعود بضخّ مساعدات اقتصادية ضخمة لإعادة إعمار لبنان المنهار.

ومع تصاعد الحديث عن لحظة مصيرية، يبرز الأمين العام الجديد للحزب، الشيخ نعيم قاسم، الذي خاطب أنصاره خلال يوم عاشوراء عبر شاشات عملاقة بالقول: "لا يمكننا التخلي عن سلاحنا بينما تستمرّ إسرائيل في اعتداءاتها". ورغم النبرة المتحدّية، يرى خشّان أن كلام قاسم فيه تلميح إلى المرونة، ويقول: "هذا لا يستبعد استعداد حزب الله لتسليم السلاح للجيش اللبناني بطريقة تحفظ ماء الوجه".

التقرير يتطرّق أيضًا إلى شبكة الخدمات الاجتماعية التي يقدّمها الحزب والتي لا تزال تُشكّل مصدر قوته الشعبية: مدارس، مستشفيات، إسعاف، وسلع غذائية مدعومة، لكنها جميعًا مهددة في ظلّ توقف الدعم الإيراني بسبب أولويات طهران الداخلية.

من جهة أخرى، يرى محللون أن حزب الله قد يتجه تدريجيًا إلى تعزيز موقعه السياسي داخل البرلمان، على غرار تجربة "شين فين" الإيرلندية بعد اتفاق الجمعة العظيمة، وذلك من خلال التنسيق المتزايد مع الجيش اللبناني الذي يذكره الحزب في خطابه بصفته الشريك الوطني.

في نهاية التقرير، يُنقل مشهد رمزي آخر من الضاحية: المهندس إبراهيم عيسى، يجلس على ركام منزله مع ابنه البالغ 14 عامًا، ويقول: "سلاح حزب الله هو درعنا. إذا تخلّينا عنه بدون سلام وجيش قوي، نكون ننتحر. سيكون ذلك انتحارًا".

وبينما يصدح صوت قاسم من مكبّر الصوت قائلاً: "إذا متنا، نربح، وإذا انتصرنا، نربح"، ينظر الأب إلى ابنه نظرة فخر وصمت، في مشهد يلخّص التعقيد العاطفي والسياسي للحظة اللبنانية.

يقرأون الآن