هل يدخل سلاح

في اللحظة التي يتكثف فيها الحراك الأميركي حول ملف سلاح "حزب الله"، ويطرح ما يعرف بـ "الورقة الأميركية"، كمدخل لحل لبناني شامل، جاءت تطورات السويداء الأخيرة لتقلب المشهد، وتضيف إلى المعادلة عنصراً جديداً وغير محسوب: "العشائر". وفي اللحظة التي تحولت فيها المعركة من مواجهة بين جماعة محلية وقوات سوريا الجديدة، إلى معركة مفتوحة بين العشائر والدروز، تظهر الخشية من أن يعاد إنتاجها بنسخة لبنانية، في ظل تطورات الحدود وارتفاع منسوب التوتر الطائفي.

منذ انتهاء الحرب الأخيرة على جبهة الجنوب، عاد ملف سلاح "حزب الله" إلى الواجهة، لا بل تقدم خطوة إلى الأمام مع تحرك الجانب الأميركي على الخط، وزيارة المبعوث توم براك مرتين خلال فترة وجيزة حاملاً ما قيل إنها الورقة الأميركية، وتتضمن خارطة طريق لمعالجة السلاح ضمن سلة لبنانية شاملة. وفيما يفتح بزيارته الثالثة الباب أمام مزيدٍ من الفرص، تتحرك واشنطن بدبلوماسية هادئة، مع إصرارٍ على بدء مرحلة تفكيك المنظومة العسكرية لـ "الحزب"، تمهيداً لتثبيت معادلة جديدة توازي اتفاق الطائف، ولكن بمفردات الحاضر وفق ما ورد في "نداء الوطن".

يرفض "حزب الله" الحديث عن السلاح كمشكلة داخلية، ويقدم أسبابه: مواجهة إسرائيل، الردع، الحماية، الجماعات المتطرفة، ولاحقًا أضيف إلى المعجم الخطر السوري بعد سقوط النظام. فالحدود الشرقية ليست مغلقة، والاهتزاز الأمني المتكرر في الداخل السوري، وتمدد الجماعات المسلحة، يثيران لدى الحزب قلقًا مشروعًا، لكن الخطورة الأبرز هي التحول في تركيبة هذا الخطر مع بروز دور العشائر كقوة متنامية خارج سيطرة الدولة السورية، وهو ما بات مصدر قلق لـ "الحزب" نفسه.

ومع تحول معركة السويداء إلى مواجهة بين العشائر والدروز، هذا التحول الذي له جذور قديمة، بات التهديد بنقل الصراع من سوريا إلى لبنان مهما كانت التطمينات، خصوصًا مع وجود امتدادات طائفية وعشائرية متداخلة بين البلدين، والاشتباك الأخير كان جرس إنذار بأن الحريق قد يقترب من لبنان، وأن الانفجار المقبل لن يكون بالضرورة تكفيريًا، بل ربما عشائريًا.

وفي ظل العلاقات اللوجستية والأمنية المتراكمة بين "الحزب" والعشائر، وتعاظم الخوف من انتقال نموذج السويداء إلى لبنان، يطرح البعض سؤلًا حساسًا: هل يعمد "الحزب" إلى توزيع السلاح على عشائر موالية تحت عنوان "الدفاع المحلي"؟ وهل يكون ذلك وسيلة في ظل الضغط الأميركي لنزع السلاح، بحيث يبقي القوة بأيدي الحلفاء، ولكن خارج الإطار التنظيمي؟ في الماضي القريب عبرة حين حصلت اشتباكات على الحدود اللبنانية السورية الشرقية إثر سقوط نظام الأسد بين القوات السورية الجديدة وأبناء العشائر البقاعية.

وتساءل الكثيرون عمن كان يقاتل من الجانب اللبناني: هل أبناء العشائر بدعم من إمدادات "الحزب" العسكرية؟ أم عناصر "الحزب" تحت مسمى أبناء العشائر؟ أم الجهتان معاً؟ أم كانت المعركة محض عشائرية بعد خروج سكان القرى اللبنانية الواقعة ضمن الأراضي السورية منها؟

طوال السنوات الماضية كانت الجماعات التكفيرية من "داعش" و"نصرة"، أحد أهم أسباب حمل السلاح على الحدود، أما اليوم فالأسباب تتغير. لم تعد تلك الجماعات وحدها هي الخطر، بل ثمة قلق متزايد من انفجار عشائري طائفي، على وقع ما يجري في سوريا، وحالة الشحن المذهبي، والخطاب الطائفي، بوجه كل من يزور سوريا ويلتقي الرئيس الشرع، وضد كل شاب ذهب من لبنان للقتال إلى جانب العشائر. هذا النوع من الخطاب ينذر بخطر حقيقي، ويتقاطع مع فرضية "العدو العشائري الجديد".

وعلى وقع التسريبات الأميركية بترك الساحة للبنانيين في حال الفشل بالتوصل إلى تفاهم حول السلاح، وما يحمل هذا الطرح في طياته من انسحاب خارجي وإطلاق الفوضى الداخلية، ولأن "الحزب" ليس في وارد التخلي عن السلاح أو الدخول في مساومات تهدد البنية الأمنية، يسود قلق من التحولات الميدانية على الحدود، وعليه تطرح التساؤلات عن طبيعة العلاقة التي يبنيها "الحزب" مع مكونات محلية؟ وهل يمكن لهذه العلاقة أن تتطور لتصبح حزام أمان محلي، في حال تغيرت قواعد الاشتباك الإقليمي؟ أم يتم فرض ترتيبات أمنية جديدة في لبنان؟

في ظل السياق الإقليمي المضطرب، وتداخل الجبهات، وتنامي النفوذ العشائري في سوريا وامتداداته إلى لبنان، كلها عوامل تجعل من طرح الفرضيات أمرًا مشروعًا، ولكون تداخل المسرح اللبناني السوري، من السويداء إلى البقاع، والارتباك الداخلي المحكوم بالسلاح، والخوف، والطائفة والعشيرة، كلها عناصر تعود بقوة، وتبقى العشائر هي الحلقة الأقوى – الأضعف في آن بحسب "نداء الوطن".

يقرأون الآن