حُسم الأمر، البابا لاوون سيأتي الى المنطقة في أول رحلة خارجية له بعد انتخابه. وقد أبلغ سيدة تركيا الأولى أمينة أردوغان بأنه يعتزم زيارة تركيا نهاية تشرين الثاني، وبدأ المسؤولون في أنقرة والفاتيكان بالعمل على تفاصيل الزيارة. وتشمل رحلة البابا زيارة الى لبنان وفق ما كشف البطريرك الماروني بشارة الراعي، لكن مصدر من بكركي أكد لموقع "وردنا" ان توقيت الزيارة لم تحدده الدوائر الفاتيكانية حتى الآن، ولم تصل الى الكنيسة أو الى الدوائر الرسمية المعنية أي تفاصيل رسمية عن الزيارة، أو مدتها، ولم يتم تحديد الموقع الذي سيرأس فيه البابا القداس. وربما الاعلام اللبناني ربط توقيت الزيارة الى لبنان انطلاقا من توقيت الزيارة الى تركيا اذ ان البابا لن يأتي مرتين الى المنطقة. وبالتالي، ربما تكون زيارة البابا الى لبنان قبل أو بعد زيارته الى تركيا. الموعد لم يُحدد بعد.
على أي حال، فإن الزيارات البابوية التي تعتبر تاريخية ومفصلية بالنسبة للبنان واللبنانيين، ستتواصل مع زيارة البابا لاوون الرابع عشر الذي كشف عنها البطريرك الماروني بشارة الراعي. وشكلت مفاجأة للجميع اذ تم الاعلان عنها قبل فترة وجيزة من حصولها لأنها قد تكون قبل كانون الأول أو في أواخر تشرين الثاني المقبل. الزيارة التي بدأت ترتيباتها على أكثر من صعيد، ستستمرّ لثلاثة أيّام، وتتضمّن برنامجاً حافلاً يتم الإعداد له بين القصر الجمهوري والسفارة البابويّة حيث سيبيت البابا ليلتين وفق معلومات صحافية. وسيزور البابا لاوون تركيا، بالتزامن مع الذكرى الـ 1700 لمجمع نيقية الأول الذي انعقد في العام 325 ميلاديّة. وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ سنوات، وتأتي في سياق تعزيز الحوار بين الأديان وتطوير العلاقات الثنائية بين الكرسي الرسولي وتركيا. ويرى مراقبون أن الزيارة تحمل دلالات دبلوماسية وروحية مهمة، في ظل التحولات الإقليمية الراهنة، والتقارب المتزايد بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في ملفات الحوار والسلام.
أما الزيارة الى لبنان التي أحيطت بالتكتم، تأتي في مرحلة دقيقة يمر بها بلد يستعيد سيادته، وحكومته تتخذ قرارات بحصرية السلاح، وبسط سلطة الدولة وحدها على كامل مساحة أراضيها. بلد يتأرجح على حافة خطيرة، وأي انزلاق يودي به الى قعر الهاوية. والتعويل اليوم، بحسب مصدر كنسي متابع على زيارة البابا الراعي الى رعيته،ليتفقد شؤونها وشجونها. هذا البابا بالتحديد له أهمية خاصة لأنه بابا أميركي، ولديه قوة التأثير على السياسة العالمية بسبب علاقاته الأميركية، وهو قادر على أن يلعب دورا كبيرا على مستوى المنطقة وعلى مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة. وبالتالي، لا بد انه سيكون لهذه الزيارة أصداء دافعة بقوة لمسار إعادة الثقة الخارجية بلبنان، وستشكل قوة دفع جديدة للبنان الرسالة ووطن التعايش.
واعتبر مصدر سياسي في حديث لـ "وردنا" انه يجب ألا يقتصر استقبال البابا بالارز والفرح، انما نتمنى أن يعقد مؤتمرا مسيحيا عربيا لتحديد خيارات المسيحيين في هذه اللحظة المصيرية في المنطقة التي تنام على شيء، وتستيقظ على شيء جديد. البابا يريد أن يوصي المسيحيين بالتشبث بأرضهم، وعدم اتخاذ أي خيارات ربما يدفعون أثمانها باهظا. صوت البابا وازن، ويدعو كما الكنيسة المسيحيين في لبنان والمنطقة الى الانخراط في دولهم. دعوة الكنيسة لم تكن يوما دعوة انفصالية عن المسلمين، ولم تكن يوما دعوة ناتجة عن خوف المسيحيين من الديموغرافيا.
لبنان البلد الصغير والكبير في رسالته الانسانية، استحوذ على اهتمام كبير من قبل البابوات على مدى سنوات طويلة. اذ تعود العلاقات الرسمية بين لبنان والكرسي الرسولي الى عام 1584، حينما أسّس البابا غريغوريوس الثالث عشر "الكلية المارونيّة" في روما لاستقبال طلاب اللاهوت اللّبنانيين. وانتقلت العلاقة من رابط روحي إلى أبعاد سياسيّة واضحة بعد الحرب العالمية الأولى، وامتدّت لتشمل غرفة القرار الدوليّة، حيث برز الفاتيكان كلاعبٍ سياسي مؤثّرٍ يسعى إلى تحقيق توازناتٍ إقليميةٍ تحفظ الاستقرار وتدعم مبدأ التعايش الوطني. ويؤكد قريبون من الكرسي الرسولي لموقع "وردنا" ان لبنان حاضر دوما في اللقاءات الرسمية مع قادة العالم بعيدا عن الضجيج الاعلامي مع العلم ان الكرسي الرسولي له تأثيره الخاص على القيادات والدول والمؤسسات.
إذا، على مدى التاريخ القديم والحديث، حمل البابوات لبنان معهم إلى المحافل العالمية وفي لقاءاتهم الدولية، وليس بسيطا أن يعرف لبنان خلال خمسة عشر عاماً من تاريخه المعاصر ارشادين رسوليين، في دلالة واضحة على الاهمية البالغة التي يعلقها الكرسي الرسولي على هذا الوطن كنموذج للتعايش المسيحي – الاسلامي وكمختبر للحوار وتلاقي الحضارات.
الارشاد الرسولي الأول "رجاء من أجل لبنان" وقعه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الى لبنان في ايار 1997، وكان ثمرة سينودس عقد خصيصاً من اجل لبنان قبل عامين من تاريخه. وهذه الزيارة اكتسبت أهمية خاصة بالنسبة للبنانيين لا بل اعتبرت مفصلية وانتقالية في تاريخ لبنان الحديث اذ كسرت حاجز الخوف عند المسيحيين واللبنانيين، ومهّدت لانطلاق ثورة الأرز التي وضع مداميكها البطريرك نصرالله صفير في بيان المطارنة الشهير. ولا يمكن يمكن ان ننسى المقولة الشهيرة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني حين قال: "لبنان ليس مجرد بلد، بل هو رسالة. لبنان أكثر من وطن، فهو رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب"، ما يعكس رؤية البابا لأهمية لبنان كنموذج للعيش المشترك ودوره كجسر بين الشرق والغرب.
اما الارشاد الرسولي الثاني الذي وقعه البابا بنديكتوس السادس عشر في ايلول 2012 تحت شعار "شركة شهادة"، يتعلق بالمسيحيين في الشرق عموماً.
ولا بد من الاشارة هنا الى الزيارة التي قام بها البابا بولس السادس، في 2 كانون الثاني 1964، عندما توقّف لمدة خمسين دقيقة في مطار بيروت الدولي أثناء رحلته إلى الهند. بالاضافة الى زيارة كانت منتظرة من قبل "بابا الشعب" فرنسيس الأول، ولم تتم بسبب الظروف السياسية والصحيّة. مع العلم انه قام بعدة زيارات في بلدان عربية خلال فترة بابويته، من بينها الأردن، فلسطين، مصر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، والمغرب.