عادت سوريا إلى "حضنها العربي" بعد سنوات عجاف، أحكمت فيها إيران قبضتها على الشعب من خلال نظام بشّار الأسد. وعانت فيها سوريا مرارة العزلة والعقوبات على مدى سنوات طويلة. لكنّ المُعادلة انقلبَت بعد سقوط الأسد وتولي الرئيس السوري أحمد الشرع، برز الدّور السّعودي كصماّم أمانٍ عربيّ داعمٍ لاستعادة سوريا قرارها ومكانتها عربياً وعالمياً.
يشير المحلّل السياسيّ السعوديّ مبارك آل عاتي لـ"وردنا" إلى أنّ تعاطي المملكة العربيّة السّعودية مع "سوريا الجديدة" ينطلِق من عودة سوريا إلى الحضن العربي، كدولة مستقلة ذات سيادة لكلّ السّوريين وحماية سوريا من التّدخلات الإقليميّة.
أضاف أنّ المملكة ترى أنّ تطورات الأحداث في سوريا تقوي "المشروع السّعوديّ العربيّ" الدّاعي لاستقلال العمل العربيّ، وسلامة الأراضي العربيّة وعدم التّدخل في الشّؤون الداخلية ورفض سياسة المحاور وطرد المليشيات وكل ما هو خارج إطار الدّولة الوطنيّة.
المحللّ السياسيّ السعوديّ مبارك آل عاتي
تعافي سوريا يدعم التعافي العربي
ويلفت آل عاتي إلى أنّ المملكة قامت بدور كبير لتفعيل وتسريع التعافي السوّري من خلال الانفتاح السّياسي المبكر على الحُكم السوّري الجديد. إذ رمت السّعودية بكامل ثقلها لدعمِ النظام الجديد من خلال تقديم كافة أنواع الدعم سواء السياسي في كل المحافل الدولية، والدعم التنموي، والإنساني ومن ثم الاقتصادي في سبيل قيام هذا النظام على أُسِسٍ راسخة.
ويؤكد أنّ الرّياضَ تؤمن بأن تعافي سوريا وعودتها إلى محيطها العربي ولكل السوريين هو دعم للتعافي العربي ويدعم وحدتها واستقرارها، والسّلام والأمن الإقليمييْن. هذا من شأنه أن يقوّي الأمن القوميّ العربيّ ضدّ التّدخلات الإقليميّة، ويحجم من نفوذ القوى التي كانت قد أنهكت كاهل سوريا ولبنان، ولا تزال في العراق واليمن.
الثقل السعودي روّج سوريا أمام العواصم العالمية
ويرى آل عاتي عبر "وردنا" أنّ الثقل السعودي، الواضح والمعلن، كداعم لـ "سوريا الجديدة" سهل وعجل في ترويج سوريا أمام العواصم العربية، ومن ثمّ العالمية. وقد قامت الدبلوماسيةّ السّعودية بدور نشط كبير وفاعل جداً لدى الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً لدى الرئيس دونالد ترامب الذي التقى الرئيس السّوري أحمد الشّرع في الرياض، وأعلن عن رفع العقوبات عن سوريا والتي كان آخرها رفع "العقوبات الاقتصادية" عن سوريا.
ويكمل: "رأينا أنّ الوفود الأوروبية قد حطت رحالها في دمشق، وأعادت العلاقات الدبلوماسيّة ورفعت عدد من الدول الأوروبية العقوبات التي كانت تفرضها على سوريا. وهذا يعني أنّ الدبلوماسيّة السّعودية تمكّنت من فتح الأبواب المغلقة أمام "سوريا جديدة". وننتظر على هذا الأساس الخطاب المهم الذي سيلقيه الرئيس السوري أحمد الشّرع أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة أواخر أيلول/ سبتمبر الجاري. وهذا جزء لا يتجزّأ من النّجاح السّعودي في سبيل تعبيد الطرق الدبلوماسية أمام الحكومة الجديدة في دمشق".
الاقتصاد السوري يُسهم في عودة فرض الأمن
كما يُشدّد على أنّ السّعودية تؤمن بأنّ تعافي الاقتصاد السّوري يُسهم في عودة الاستقرار وفرض الأمن، وبدء عملية تنموية كبيرة على الأراضي السّورية. هذا ما يسمح بعودة المهاجرين واللاجئين السّوريين من كل مكان لتصبح سوريا منارة من منارات الاقتصاد الإقليميّ في المنطقة، خصوصاً أنّها تتمتع بموقع جيو - سيّاسي مهمّ. وذلكَ لتواجدها على سواحل البحر المتوسط، ولأنهّا تربط برّاً ما بين دول المشرق العربيّ وتركيا مع دول الخليج.
لذلك تراهن الرّياض على أنّ التّعاون الاقتصادي مع دمشق من شأنه أن يسُهم في تعجيل تعافي الاقتصاد السوري، ويفتحُ نوافذ جديدة للاستثمارات السّعودية والتي من شأنها أن تعزز وتقوي الروابط بين الشعبيْن السّعودي والسّوريّ.
يتابع آل عاتي بالقول إنّ "الدّعم السّعودي له صدى ملموس في الداخل السوري، والأشقاء السوريين رحبوا بشكل كبير بكل الوفود السعودية سواء السياسية أو الاقتصادية التي من شأنها أن تعزّز التعاون بين البلدين، وإقامة المنتديات الاقتصاديّة في العاصمة السّوريّة هو خير دليل على التّبني السعودي لسوريا ككل، وعلى كافة الصّعد".
عدم السّماح بانفصال أي مكوّن عن الوطن السّوري
على مستوى النزاعات في الداخل السوري، يعتبر أنّه "بشكل واقعيّ سوريا تتعافى حتى ولو بشكل بطيء. لكنّ تعافيها ملموس على أرض الواقع، ويتقدم بشكل يومي ولم يسجل أي لحظة تأخر، وهذا ما يُحفّز الدول على التعاطي والتعاون معها لصالح وحدة الكيان السوري. وعدم السّماح بانفصال أي مكوّن عن الوطن السّوري.
هذا ما أكدّت عليه الدبلوماسيّة السعّودية من خلال رفض أيّ نوايا أو نوازع للانفصال أو الاستقلال عن الحكم المركزيّ في سوريا. ورفض التدخلات في الأمن الداخلي السوري، وهذا يؤكد على أنّ نوازع الاستقلال لدى بعض "الأقليّات" التي تغذيها بعضُ المطامع الإقليميّة تحتاج إلى مزيد من العمل الداخلي، ومؤتمرات الاحتواء والنّقاش لتقريب وجهات النظر، وتعيد ترتيب الأوضاع الداخلية بشكل يجعل سوريا لكل السوريين، مع التأكيد على أن يكون لدى الأطراف الأخرى النوايا الطّيبة تجاه الوطن وأن تتخلى عن نوازع الانفصال التي تحرّكها أطماع حزبية مدعومة من بعض القوى الإقليميّة.
عودة سوريا هي الأهم
يعتبرُ أنّ هناك آمال عريضة جداً لتعافي سوريا قريباً. وهذا يحتاجُ إلى مزيد من الوقت والعمل. وسيعجّل عودة سوريا بشكل مضمون وفاعل لمحيطها العربي، ولدورها المأمول خصوصاً أنّ سوريا كانت تمثل مع المملكة العربية السعودية ومصر أشبه ما يكون بـ "ثلاثي العمل العربيّ".
يختم مُبارك آل عاتي حديثه لـ"وردنا" بالقولِ:" نحن بانتظار أن تتعافى سوريا لتعود إلى دورها، وهذا هو الأهم. وتسعى الدبلوماسية السعودية لتحقيق ذلكَ. وما ميّز الدّور السعودي في سوريا أنّ منطلقاته عربيّة وإنسانيّة دون أيّ مقايضات وابتزاز أو شروط سياسيّة".