تعيش محافظة السويداء واحدة من أصعب مراحلها التاريخية، وسط حصار خانق وأحداث دامية تركت جروحًا عميقة في الذاكرة الجماعية. فالأصوات المنادية بالانفصال عن دمشق لم تعد محصورة بالزعامات الروحية أو السياسية، بل باتت تعكس إجماعًا واسعًا بين مختلف مكوّنات المجتمع، وفق ما يؤكّد ناشطون وشخصيات محلية.
في هذا السياق، قال رئيس حزب "الوجود" الدكتور ريدان حرب لمنصّة "وردنا" إنّ السويداء اليوم تطالب بانفصال تام، لا عودة إطلاقًا إلى حكومة دمشق، مضيفًا: "نزلت مظاهرات في جميع أنحاء السويداء، وجميع الناس، بنسبة مئة بالمئة من كل الأطياف، بما فيهم المسيحيون، يطالبون بالاستقلال وإنشاء كيان أو دولة مستقلة، بعيدة عن سلطة الإجرام، بعد الجرائم الفظيعة التي ارتُكبت بحق الأطفال والكبار، وحرق البيوت والكنائس والمقامات الدينية، وهي جرائم لن تُنسى لألف عام."
وأشار حرب إلى أنّ نحو 32 قرية ما زالت محتلة، يمكن لأهالي السويداء والحرس الوطني استعادتها بسهولة، لكن يتم التريّث لإعطاء هامش للاتفاق الأميركي وتجنّب التصعيد، محذّرًا من أنّ "للصبر حدود". كما شدّد على أنّ قضية المختطفين تبقى على رأس الأولويات، موضحًا أنّ الموقف الشعبي واضح: "نعطيكم الكل، بتعطونا الكل"، وهذا ما تمّ تثبيته مع الضامن الأميركي، في مقابل محاولة النظام التنصّل وتحميل المسؤولية للعشائر.
أما من جهته، فيرسم المهندس التكنولوجي نورس السغبيني، الذي تحوّل في الفترة الأخيرة إلى شاهد حي وناقل لصورة المعاناة اليومية، مشهدًا أكثر قسوة. إذ يقول: "منذ أكثر من 51 يومًا، السويداء محاصرة بشكل كامل. المواد التي تدخل إليها تقتصر على مساعدات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي، إضافة إلى تبرعات من أبناء الطائفة الدرزية. لكن كل ما دخل لا يغطي حتى عشرة في المئة من الحاجات."
ويضيف السغبيني أنّ أكثر من 34 قرية دُمّرت بالكامل في ريفي السويداء الغربي والشمالي، وما زالت تحت سيطرة "الأمن العام والعشائر والعصابات التي هجمت على السويداء". وتابع قائلًا: "حين دخل الهلال الأحمر إلى بعض القرى، وُجدت جثث مقطّعة على الطرقات، بعضها بلا ملامح، وتعرف الأهالي على أبنائهم من ملابسهم أو وشومهم."
ولفت في حديثه لـ"وردنا" إلى أنّ ملف المختطفين يبقى الجرح الأكثر نزيفًا: "حتى اليوم لا يستطيع أحد إحصاء عدد المخطوفين بدقة، لأن الوصول إلى بعض القرى لا يزال ممنوعًا. لكن المؤكد أنّ هذه الورقة تُستخدم للضغط والابتزاز من قِبل السلطة."
وبحسب السغبيني، فإنّ المطلب الشعبي في السويداء تجاوز فكرة الفيدرالية أو اللامركزية، لأنها ستبقي أي شكل من التواصل مع دمشق، مؤكّدًا أنّ الاستقلال التام صار الخيار الوحيد: "الذي حصل من قتل واغتصاب وترويع ودمار يجعل أي تعايش مستحيلًا. نحن نطالب بمحاكمة السلطة دوليًا، من رأس الهرم حتى أصغر مسؤول، والملفات التوثيقية والفيديوهات موجودة."