مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

خاص "وردنا"- ‎بن سلمان وبن زايد ومواجهة مشاريع نتنياهو التوسعية بسياسة "الذبح "بالقطنة

خاص

‎في خضم التصعيد الإسرائيلي الأخير وما رافقه من حديث عن “مشروع إسرائيل الكبرى”، برز لقاء لافت في الرياض جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد. اللقاء لم يكن بروتوكولياً عادياً، بل جاء في لحظة سياسية دقيقة، حيث يختلط التوتر في فلسطين مع تفاعلات المشهد الإقليمي والدولي.

‎اللقاء حمل رسائل واضحة، أولها أن الرياض وأبوظبي متمسكتان بتعزيز التنسيق السياسي والأمني في مواجهة مشاريع توسعية تهدد استقرار المنطقة. فالموقف السعودي الإماراتي بات يشكل ركيزة أساسية في رسم السياسات العربية، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ومن اللافت أن الطرفين شددا على دعم “حل الدولتين” باعتباره الخيار الواقعي الوحيد، في مواجهة أي محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض.

‎هذا التحرك الثنائي يتقاطع مع ما صدر عن بيان مجلس التعاون لدول الخليج العربي، الذي جدد موقفه الرافض لأي انتهاكات إسرائيلية تستهدف الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال احترام القرارات الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني. وفي السياق نفسه، جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ليترجم هذا التوجه إلى موقف جماعي، حيث شددت الدول العربية على رفضها الصريح لمشروع “إسرائيل الكبرى”، محذّرة من تداعياته الخطيرة على الأمن القومي العربي.

‎ومن ضمن الخطط المطروحة للدفاع في مواجهة إسرائيل، برزت فكرة تقديم دعم اقتصادي ومالي مباشر لكل من سوريا والأردن ومصر، بما يعزز قدرة حكومات هذه الدول على بسط السيطرة الكاملة داخل أراضيها، ويمنع أي فراغ قد تستغله إسرائيل. كما يشمل التصور العربي مساعدة لبنان على تفكيك سلاح حزب الله تدريجياً، بحيث تُرفع الذرائع عن إسرائيل ولا تجد أي “حجة” لشن عدوان جديد على أراضيه. هذه المقاربة تعكس وعياً عربياً بأن الاستقرار الداخلي والسيادة الكاملة للدول العربية المحيطة بإسرائيل يشكلان خط الدفاع الأول في مواجهة المشاريع التوسعية الإسرائيلية.

‎كما أن السعودية والإمارات تطرحان مقاربة مختلفة عن إيران في مواجهة إسرائيل، إذ تراهنان على الدبلوماسية كأداة للمواجهة، في حين أن طهران تعتمد خطاب الحرب والمواجهة العسكرية. ولعل التاريخ يقدم مثالاً واضحاً: بعد التوصل إلى اتفاق أوسلو عاد ياسر عرفات إلى فلسطين وتم تأسيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و غزة، وهو إنجاز تحقق عبر تسوية سياسية. أما في المقابل، فإن محاولات يحيى السنوار لمقارعة إسرائيل عبر الحرب انتهت بكارثة إنسانية، حيث دفع الشعب الفلسطيني في غزة ثمناً باهظاً من دمه ومعاناته. هذه المفارقة توضح أن مسار الدبلوماسية، وإن كان بطيئاً، قد يكون السبيل الأقل كلفة والأكثر واقعية لتحقيق تقدم على طريق استعادة الحقوق.

‎وفي هذا الإطار، كشف مصدر استخباري خليجي أن هناك خطة جدية يجري بحثها بين السعودية والإمارات تقوم على ممارسة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل عبر بوابة القوى الكبرى، أي الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، مع انفتاح متزايد أيضاً على الصين. وتقوم هذه الخطة على مبدأ يشبه ما يسميه العرب “سياسة الذبح في القطنة”، أي الضغط الهادئ والمتدرج الذي يحقق أهدافه من دون مواجهة مباشرة. هذه الرؤية لا تقتصر على بيانات إدانة أو مواقف إعلامية، بل تسعى لتشكيل لوحة ضغط متكاملة تمزج بين النفوذ الاقتصادي الخليجي والدبلوماسية النشطة، من أجل دفع إسرائيل إلى مسار سياسي أكثر التزاماً بالقرارات الدولية.

‎أهمية هذا التلاقي لا تكمن فقط في الخطاب، بل في ما يحمله من إشارات إلى بداية مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك. فالخليج ومصر والأردن وسوريا ومعهم دول أخرى باتوا يدركون أن ترك الساحة لإسرائيل سيؤدي إلى اختلالات استراتيجية لا يمكن تداركها لاحقاً. كما أن التوافق السعودي الإماراتي يعطي زخماً لموقف الجامعة العربية ويمنع تفرد أي طرف خارجي بإدارة الصراع.

‎في المحصلة، يمكن القول إن مواجهة مشروع “إسرائيل الكبرى” باتت اختباراً جدياً للوحدة العربية. وإذا ما استمرت وتيرة التنسيق كما ظهرت في الرياض والقاهرة، فإن المنطقة قد تشهد عودة إلى منطق “الموقف العربي الموحد”، وهو ما تفتقده الساحة منذ عقود بسبب تدخل الإراني في الشؤون العربية . فهل يشكل هذا المسار بداية لتوازن جديد، أم أنه سيبقى رهين التصريحات من دون ترجمة عملية على الأرض؟

يقرأون الآن