في إطار الجهود الأمنية والسياسية المستمرة لتعزيز استقرار لبنان وضمان سيادة الدولة على اراضيها، سلّمت قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان دفعة جديدة من الأسلحة الثقيلة إلى الجيش اللبناني، شملت خمس شاحنات من مخيم عين الحلوة جنوباً وثلاث شاحنات من مخيم البداوي شمالاً. هذه العملية، التي تأتي كجزء من المرحلة الرابعة لخطة تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية، تُعد الأكبر منذ بدء التنفيذ في آب/ أغسطس الماضي، وتفتح باباً للتساؤلات حول مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان وعلاقته بالدولة اللبنانية.
من التجميع إلى التسليم
وفقاً للبيانات الرسمية، تم تجميع الأسلحة مساء يوم الجمعة بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر في مركز "سعد صايل" بمخيم عين الحلوة، ثم نُقلت عبر شاحنات إلى موقع عسكري لبناني محاذٍ للمخيم. جرت العملية تحت إشراف مدير مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد سهيل حرب وقائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صور العميد إبراهيم الخطيب، وسط انتشار مكثف للجيش اللبناني دون حدوث أي إشكاليات.
وشملت الأسلحة المسلَّمة:
-صواريخ كاتيوشا
-صواريخ من أنواع مختلفة
-قذائف هاون
-مدافع B10 وSPG9
أما الأسلحة الخفيفة، فلم يُطلب تسليمها حتى الآن، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأنها أو إجراء أي نقاش حولها.
عبد الهادي الأسدي: تأكيد على الشراكة والاستقرار
في حديث لـ"وردنا"، أوضح مدير العلاقات العامة والإعلام في قوات الأمن الوطني الفلسطيني عبد الهادي الأسدي، أنه "تمّ عقد اجتماع بين ضباط من الأمن الوطني الفلسطيني والجيش اللبناني، حيث توصّل الطرفان إلى صيغة مشتركة تتعلق بنوعية الأسلحة التي سيتم تسليمها. ووفقاً لهذا الاتفاق، قام الأمن الوطني الفلسطيني بإجراء جرد شامل لما هو بحوزته من أسلحة، وتم تسليمها وفقاً لما تم التفاهم عليه".
وأكد الأسدي أن "الأمور سارت بكل سهولة ويسر... القيادة الفلسطينية تقوم بتسليم السلاح المسؤول عنه فقط، دون عقبات أو مشاكل"، كما شدد على أن هذه المبادرة تعكس عمق الشراكة الفلسطينية اللبنانية وتهدف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار.
على الرغم من الرواية الرسمية، أظهرت ردود الفعل الفلسطينية انقساماً واضحاً. فبينما التزمت فتح بتسليم سلاحها، أبدت فصائل أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي تحفظات شديدة. مصدر من حماس وصف لـ"وردنا"، العملية بأنها "بروباغندا وليست خطوة أساسية"، مشيراً إلى أن التسليم الحالي لم يشمل سوى جزء صغير من ترسانة فتح، وأنه ناجم عن "خلافات داخلية في الحركة".
كما طالبت هذه الفصائل بـ"معالجة شاملة للوجود الفلسطيني" تشمل تحسين الأوضاع المعيشية والحقوق المدنية للاجئين، وملف المطلوبين أمنياً، قبل مناقشة تسليم السلاح، بحسب المصدر.
وجددت تأكيدها على أن سلاحها "مرتبط بحق العودة ولن يُسلّم إلا في إطار إقامة دولة فلسطينية".
خريطة المخيمات الفلسطينية في عملية تسليم السلاح
كشف عبد الهادي الأسدي، عن التفاصيل الجغرافية الكاملة لعملية تسليم السلاح، التي شملت حتى الآن ثمانية مخيمات فلسطينية موزعة على مختلف المناطق اللبنانية. جاء هذا التوضيح في إطار الشفافية التي تتبعها القيادة الفلسطينية في تنفيذ الاتفاق مع الجانب اللبناني.
منطقة الجنوب (صور)
-مخيم الرشيدية: يعتبر من أكبر المخيمات في الجنوب، وتم تسليم السلاح الثقيل منه ضمن الدفعات الأولى.
-مخيم البص: تم تنفيذ عملية التسليم بنجاح رغم التحديات الأمنية المحيطة.
-مخيم البرج الشمالي: اكتملت عملية التسليم فيه دون عقبات تذكر.
منطقة بيروت
-مخيم شاتيلا: تم تسليم كمية محدودة من السلاح، حيث نُقلت إلى مخيم البرج البراجنة وتسلمت مع الدفعة الخاصة به.
-مخيم البرج البراجنة: شهد المرحلة الأولى من التسليم، حيث وضعت الدفعة الأولى من السلاح في عهدة الجيش اللبناني.
المخيمات الخالية من السلاح الثقيل
أكد الأسدي أن هناك عدة مخيمات خالية تماماً من السلاح الثقيل، مما يسهل عملية التسليم المستقبلية:
-مخيم مار الياس: خالٍ من السلاح وفقاً للتقارير الميدانية.
-مخيم الجليل: لا يحتوي على أسلحة ثقيلة.
-مخيم المية ومية: لا يحتوي على أسلحة ثقيلة.
-مخيم ضبية: خالٍ تماماً من أي نوع من السلاح.
أشار الأسدي إلى وجود آلية مراقبة مستمرة للتأكد من عدم وجود أسلحة ثقيلة في هذه المخيمات، قائلا: "في حال تبين وجود سلاح ثقيل ضمن أي من المكاتب أو المستودعات في هذه المخيمات، سيتم تسليمه فوراً وفق الآلية المتفق عليها مع الجيش اللبناني".
تبقى عملية تسليم السلاح في مخيمي عين الحلوة والبداوي خطوة رمزية مهمة في مسار معقدٍ وطويل. بينما تُظهرها الرواية الرسمية كإنجاز أمني يعزز الاستقرار، وتُحذّر الفصائل الفلسطينية المعارضة من اختزال القضية في "بندقية أو قطعة سلاح"، وتطالب بحلول شاملة تُضمن كرامة اللاجئين وحقوقهم. السؤال الأكبر الآن: هل ستفتح هذه العملية باباً لحوار شامل يضم جميع الأطراف، أم أنها مجرد حلقة في سلسلة من الإجراءات المجتزأة؟ الإجابة قد تحدد مصير المخيمات الفلسطينية في لبنان لسنوات قادمة.