خاص

لم يعد موضوع المفاوضات بين سوريا وإسرائيل أمراً سريّاً لا يعرفه أحد، لا بل ينتظر نتائجه الجميع إن كان من ناحية سلام بين الطرفين أم إتفاق أمني كما كشف الرئيس السوري أحمد الشرع في مقابلته الأخيرة.

عادت هذه المفاوضات إلى الواجهة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، بعد محاولات بدأت في العام 1993 في زمن حافظ الأسد تزامناً مع مفاوضات مدريد للسلام بين إسرائيل والعرب في زمن "إسحاق رابين"، مروراً بمحاولات كثيرة منذ عام 2000 إلى 2008. حتى في الأيام الأخيرة لسقوط نظام الأسد، حاول بشار مرات عديدة إحياء تلك المفاوضات لكي تشكل له رافعة تنقذ حكمه وتضمن مستقبله السياسي، ولكن التطورات التي أدت إلى سقوطه عجلت في انهاء حقبته.

على الرغم من أن مفاوضات السلام مع عهد الأسد لم يكتب لها النجاح بشكل كامل، ولكن الاتفاق الأمني الذي تم بين نظام الأسد والإسرائيليين بقي ساري المفعول حتى سقوط النظام، وكان ثمن صمود هذا الاتفاق كما ثمن استمرار نظام الأسد، إهداء "الجولان" على "طبق من فضّة" إلى إسرائيل،على الرغم من أن فشل المفاوضات دائماً يكون سببه ذريعة نظام الأسد بـ " التمسك ببحيرة طبرية" ضمانة للسلام بين الطرفين.

ربما ما استطاعت تحقيقه المفاوضات في كل هذه الجولات السابقة، الحصول على ما تسميه "وديعة رابين" التي تقول سوريا انها تتضمن تعهدا اسرائيليا بالانسحاب الى خط الرابع من حزيران من عام 1967 اي قبل اندلاع حرب حزيران 1967.

مع سقوط نظام الأسد، وإضعاف المحور الإيراني في المنطقة من خلال ضرب "حزب الله" في حرب امتدت من أيلول/سبتمبر 2024 إلى تشرين الثاني/نوفمبر، بات سقوط نظام الأسد أمراً سهلاً لا بدّ من تنفيذه لقطع صلة الوصل بين الحزب وطهران، وبموجب تلك التطورات عاد الحديث عن السلام السوري الإسرائيلي إلى الواجهة بالأخص مع استلام إدارة احمد الشرع الحكم في سوريا.

إتفاق أمني أو سلام دائم؟

بوساطة أذربيجانية، تستمر المفاوضات بين الإسرائيليين والإدارة السورية على الرغم من اصطدامها بعوامل المتغييرات السورية المستمرة منذ سقوط نظام الأسد، والتي عززتها الخلافات مع قسد من جهة، وأحداث الساحل، وما يجري في السويداء من جهة أخرى والتداعيات المستمرة حتى اللحظة ما شكّل لحظة مفصلية إن كان في العلاقات السورية – الإسرائيلية من جهة، أو للنظام السوري الجديد نفسه من جهة أخرى.

هذه الأحداث عرّضت المفاوضات الإسرائيلية – السورية إلى إمتحان كبير، وهو "امتحان الصمود" في ظل المتغييرات الحاصلة في المنطقة من جهة، والتغوّل الإسرائيلي المستمر في الداخل السوري تحت ذريعة "حماية الأقليات" والقبول الذي يحظى به من جزء لا بأس به من أهالي السويداء على وجه الخصوص.

جبهة الأقليات في سوريا، إذا، عرّضت هذه المفاوضات إلى الكثير من الاهتزازات التي لا تزال قائمة بفعل استمرار التطورات في السويداء بالتصاعد، ومشكلة "قسد" من ناحية أخرى في شمال شرق سوريا أو في حلب من خلال الاشتباكات المتقطعة التي تحصل من حين لآخر بين الجيش السوري وقوات "قسد"، بالإضافة إلى تكتل الجانب الكردي والسوري ضد الحكومة السورية في مؤتمر "الحسكة" فبات الصوت الحقيقي لهذه المجموعات هو صوت "التقسيم" برعاية وغطاء إسرائيلي كامل ممّا يشكّل عائقا أو ذريعة تساهم في إفشال أي إتفاق إسرائيلي – سوري.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية، تردّدت أصداء عن تعيينات نيابية في مناطق النزاع سواء في السويداء أو في مناطق "قسد" أو من خلال "الساحل"، لتكون هذه التعيينات ملائمة للاتفاق السوري – الإسرائيلي، وتشكل عاملاً أساسياً لطمأنة إسرائيل فيما يتعلق بموضوع "الأقليات".

رغم كل هذه العقبات أمام المفاوضات السورية – الإسرائيلية، بقيت قنوات التواصل بين الجانبين مستمرة حتى اللحظة، وبدت نتائجها تتبلور شيئاً فشيئاً من خلال السعي لاتفاق أمني على غرار اتفاق 1974، ولو بشكل معدّل برعاية أميركية يحل مشكلة الجنوب السوري بشكل أساسي، ويضمن من خلاله السيادة السورية من جهة أخرى ليطوي هذا الاتفاق بموجبه صفحة الصراع السوري – الإسرائيلي كـ "أولوية أساسية"، وربما يكون مقدّمة في وقت لاحق لسلام دائم بين الطرفين.

يقرأون الآن