في لحظة تاريخية تحوّلت فيها القضية الفلسطينية إلى قضية رأي عام عالمي، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة، "إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية والقضية الفلسطينية"، الذي يدعو بوضوح إلى تنفيذ حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية.
هذا الإعلان حظي بتأييد واسع: 142 دولة صوتت لصالحه، في مقابل 10 دول عارضت و12 امتنعت عن التصويت، ما يعكس إجماعًا دوليًا متزايدًا على أن الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مجرد خطوة رمزية، بل ضرورة سياسية وأخلاقية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تزايد الاعترافات الدولية بدولة فلسطين
وفقًا لمصادر الأمم المتحدة والإعلام الدولي، كانت 147 دولة قد اعترفت رسميًا بدولة فلسطين قبل إعلان نيويورك. ومع التطورات الأخيرة، ارتفع هذا العدد إلى نحو 157 دولة، وهو ما يمثل حوالي 81% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. بعض التقارير تشير إلى أن العدد قد بلغ 159 دولة، مع احتساب الدول التي أعلنت اعترافها خلال مؤتمر نيويورك الأخير.
ومن أبرز الدول التي أعلنت اعترافها حديثًا:
بريطانيا، كندا، أستراليا: أعلنوا اعترافًا رسميًا بدولة فلسطين.
البرتغال: أعلنت أنها ستعترف رسميًا بدولة فلسطين بدءًا من 21 سبتمبر 2025.
فرنسا: أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال مؤتمر نيويورك، لتصبح بذلك أول دولة من مجموعة الدول الصناعية السبع تتخذ هذه الخطوة.
دول أوروبية أخرى مثل: لوكسمبورغ، بلجيكا، أندورا، مالطا، موناكو وغيرها، عززت أو بدأت خطوات رسمية نحو الاعتراف.
تأثيرات الاعتراف الدولي: ما بين الدبلوماسية والقانون
يحمل هذا الاعتراف الدولي المتزايد آثارًا سياسية وقانونية مهمة. فهو يمكن دولة فلسطين من:
- فتح سفارات وبعثات دبلوماسية تتمتع بكامل الامتيازات في الدول المعترفة.
- تعزيز الحضور الفلسطيني في المحافل الدولية، واستخدام أدوات القانون الدولي للمطالبة بالحقوق والمساءلة.
- ممارسة ضغط سياسي مباشر على إسرائيل والدول الداعمة لها، بما يدفع باتجاه تفعيل الحلول السياسية بدلًا من الاستمرار في النهج العسكري.
مع ذلك، لا يُمكن لهذا الاعتراف رغم رمزيته أن يغيّر الواقع الميداني بشكل فوري. مثل قضايا السيطرة على الأرض، والحدود، والموارد، والأمن لا تزال أكثر تعقيدًا، وتحتاج إلى مسار سياسي حقيقي وتوافق دولي فعّال.
موقف القيادة الفلسطينية والدور السعودي
في هذا السياق، يرى المُتحدّث باسم حركة "فتح" عبد الفتاح دولة أن "إعلان نيويورك يمثل تحولًا سياسيًا ودبلوماسيًا جوهريًا"، مضيفًا أنه "وضع خارطة طريق واضحة لإحياء حل الدولتين، وغيّر الاعتراف بفلسطين من مطلب قانوني وأخلاقي إلى فعل دولي جماعي".
ويؤكد دولة أن هذا الإعلان "يعزز شرعية حقوق شعبنا، ويضع الاحتلال في عزلة سياسية وأخلاقية متزايدة"، مشيدًا بالدور السعودي بقوله: "نثمّن عاليًا الدور السعّودي، ومعه الفرنسي والعربيّ والدولي، في تنظيم مؤتمر حماية حل الدّولتين ورفع الملف الفلسطيني إلى أرفع المستويات."
ويضيف أن هذا "جهد فلسطيني – عربي - دولي مشترك أثبت أن القضية الفلسطينية لا تزال محورًا إقليميًا وعالميًا، وأن الاعتراف بدولتنا بات واجبًا سياسيًا وأخلاقيًا."
غزة بعد الحرب: سيناريوهات الحكم والمسار الممكن
حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، يشير "دولة" إلى أن هناك محاولات إسرائيلية لفرض بدائل تتجاوز دور الشعب الفلسطيني والشرعية الوطنية، مؤكدًا أنها "محاولات محكومة بالفشل".
المقترحات الدولية، ومن ضمنها المبادرة الأميركية الأخيرة، تتركز حول ما يُسمى "اليوم التالي"، لكن دولة يشدد على أن نجاح أي سيناريو مرهون بثلاثة شروط أساسية:
1- الوقف الفوري للحرب
2- إعادة إعمار غزة
3- ضمان عدم سيطرة الاحتلال على أي جزء من أراضي قطاع غزّة.
ويرى أن السيناريو العادل هو الذي "يعيد للشرعية الفلسطينية، ممثلة بالسلطة الوطنية و"منظمة التحرير الفلسطينيّة"، مسؤولياتها الكاملة على غزة والضفة بما ذلكَ القدس".
ويضيف أنّ حركة "حماس"، رغم حضورها الاجتماعي، قد تضررت عسكريًا، وأن استمرار سيطرتها السياسية لم يعد ممكنًا. مستقبل غزة لا يمكن أن يُبنى على تفرد فصيل، بل من خلال حكم وطني موحّد عبر مؤسسات الدولة، تحت سلطة شرعية واحدة وسلاح شرعي واحد.
التهديدات الإسرائيلية وتصعيد بن غفير
بالتوازي مع هذا الزخم السياسي والدبلوماسي، خرج إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتصريحات خطيرة، حيث وجّه تهديدات مباشرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، داعيًا إلى تفكيك السلطة الفلسطينية فورًا، واصفًا إياها بأنها "كيان إرهابي يجب التخلص منه".
وقال في تصريحات بن غفير: "يجب إسقاط سلطة أبي مازن الآن، لا يمكننا أن نستمر في منحها شرعية سياسية وهي تسعى لتقسيم أرض إسرائيل".
هذه التصريحات جاءت عقب موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وردًّا على إعلان نيويورك، ما فُسِّر كمحاولة إسرائيلية لعرقلة الزخم الدولي المتصاعد.
الفلسطينيون ردّوا برفض قاطع، إذ اعتبر دولة أن هذه التصريحات "تُواجَه بتحرّك دولي لكشفها وفضحها، وبدعم عربي ودولي لحماية الشرعية الفلسطينية". وأضاف أن "أي تهديد لن ينجح في تقويض مؤسساتنا أو شرعيتنا الوطنية".
مواجهة مخططات الضم في الضفة الغربية
أما في ما يتعلق بتهديدات بن غفير وقيادات يمينية أخرى بشأن ضم الضفة الغربية، فإن القيادة الفلسطينية بحسب "دولة" تتصدّى لها عبر مسارات متعددة:
1- تحرك دبلوماسي نشط يسعى إلى حشد المزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية.
2- اللجوء إلى المحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.
3- تعزيز الوحدة الوطنية والمقاومة الشعبية، إلى جانب تحالفات عربية ودولية تُشكّل ضغطًا سياسيًا وتُحمّل إسرائيل كلفة سياساتها.
ويختم "دولة" بالتأكيد على أن: "الضم لن يمر أمام عزيمة شعبنا، والموقف الدولي المتنامي الداعم لحقنا."
رئة إسرائيل تضيق!
نحن اليوم أمام لحظة مفصلية. فإذا ما تُرجمت هذه المواقف الدولية من أوروبا وغيرها إلى خطوات فعلية على الأرض، فإن إسرائيل "ستفقد رئةً كاملة"، ما سيؤثر بشكل بالغ على جسدها السياسي والأمني.
الأيام المُقبلة كفيلة بكشف مسار هذه التحولات، وما إذا كانت ستُفضي إلى تغيير جذري في شكل الصراع وميزان القوى، أم ستبقى مجرد فرصة أخرى تنتظر من يلتقطها.