بعد الانقسام الحاد الذي شهدته البلاد الأسبوع الماضي، والتوترات السياسية المتراكمة منذ الجدل حول حصرية السلاح، ثم الخلافات حول قانون الانتخابات وتعليق جلسة 25 أيلول بسبب الخلاف على مشاركة المغتربين في انتخاب النواب الـ128، بالإضافة إلى الجدل الذي أثير بعد إضاءة صخرة الروشة، بدأت تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية تشير إلى إمكان تهدئة الأجواء، وسط تطورات إقليمية متسارعة.
مصادر سياسية مواكبة لما يجري في الكواليس كشفت عن تطورات إيجابية مرتقبة مع مطلع الأسبوع المقبل، قد تعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي. وأشارت إلى أن الأبرز في هذا السياق كان تأكيد رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الداخلية أحمد الحجار على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، "مهما كلف الأمر".
كما أعلن وزير الخارجية يوسف رجي عن بدء تسجيل المغتربين الراغبين في المشاركة بالاقتراع عبر السفارات اللبنانية، في خطوة اعتُبرت مؤشراً واضحاً على جدية الدولة في احترام الاستحقاق الانتخابي. هذا ما أكد عليه أيضًا رئيس مجلس النواب نبيه بري، مشددًا على ضرورة الالتزام بالمقاعد الستة المخصصة للمغتربين.
زيارة بعبدا
زيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى بعبدا ولقاؤه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون شكّلت بدورها تطورًا لافتًا، خاصة بعد التسريبات التي تحدثت عن تعاون بين حزب الله والجيش في ملف تسليم السلاح في شمال الليطاني.
وتعززت هذه الأجواء الإيجابية بالإعلان عن عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد ظهر الإثنين المقبل في بعبدا، خُصصت للاستماع إلى تقرير قيادة الجيش بشأن حصرية السلاح. مصادر مطلعة اعتبرت أن مجرد انعقاد الجلسة يشير إلى عدم وجود خلاف عميق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، بل تباين طبيعي في وجهات النظر بين رئيس عسكري وخلفية قانونية لرئيس الحكومة، وكلاهما يتفقان على أولوية المصلحة الوطنية.
نواف سلام: لا فتنة فوق القانون
رئيس الحكومة نواف سلام، وخلال استقباله عددًا من الوفود المتضامنة، شدد على أن درء الفتنة لا يكون عبر تجاهل القانون، بل العكس تماماً. وقال: "لا دولة من دون قانون يُطبق على الجميع بالتساوي، ولا أحد فوق المساءلة". وأكد أن ضميره مرتاح تجاه الحملة التي تستهدفه، مشيراً إلى أن مواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية لا تخضع للمزايدات، وقد عبّر عنها مراراً في المحافل الدولية من دون تحميل لبنان أي أثمان.
قرار بسحب الترخيص من جمعية بسبب صخرة الروشة
في سياق متصل، وعلى خلفية الجدل الذي أثارته إضاءة صخرة الروشة بصور الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، قرر وزير الداخلية أحمد الحجار سحب "العلم والخبر" من الجمعية اللبنانية للفنون (رسالة)، بسبب مخالفتها القوانين، بما فيها تعديها على الأملاك العامة واستخدامها لأهداف تمس بالنظام العام دون ترخيص مسبق. وستُدرج هذه المسألة كبند ثانٍ في جلسة مجلس الوزراء المقبلة.
التقدمي ينجح في ملف تعليم النازحين السوريين
من جهة أخرى، تمكن الحزب التقدمي الاشتراكي، بناء على توجيهات من رئيسه وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط، من تأمين موافقات استثنائية لتسجيل طلاب سوريين نازحين من السويداء وريف دمشق وجبل السماق في المدارس اللبنانية، منعًا لانقطاعهم عن التعليم. هذا الإنجاز أتى ثمرة اتصالات مكثفة أجراها النائب أكرم شهيّب مع المسؤولين المعنيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية ووزيرة التربية ومدير عام الأمن العام. وستصدر الحكومة قرارات تنفيذية لاحقًا توضح الآلية المعتمدة لتسجيل الطلاب السوريين، على أن تُعامل أوضاعهم مثل الطلاب السوريين الحاملين لإقامات قانونية.
لجنة تقصي الحقائق في السويداء
وعن تطورات ملف السويداء، تواصل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق عملها في المحافظة، حيث دخل أكثر من فريق إلى المنطقة، فيما يُتوقع صدور تقرير نهائي مع بداية العام 2026. ولم تحدد الحكومة السورية موعدًا لإنهاء عمل اللجنة.
سكاف يحذّر من التصعيد
النائب غسان سكاف، وفي حديث إلى جريدة "الأنباء" الإلكترونية، حذّر من استمرار الانقسام السياسي، مشيرًا إلى أن جلسة البرلمان الأخيرة كشفت عن عمق الانقسام القائم مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، خصوصًا مع ما وصفه بمحاولات إقصاء المغتربين عن التصويت، ما يعكس رفضًا ضمنيًا لاستكمال مسار حصرية السلاح.
ورأى سكاف أن بعض القوى السياسية تحاول تحويل ملف قانون الانتخابات إلى معركة سياسية تهدف لعرقلة الاستحقاق برمّته، محذرًا من أن تأجيل الانتخابات سيشكل صفعة للمجتمع الدولي بعد إنجاز المجالس البلدية.
وأضاف سكاف أن ما يُشاع عن خلاف بين الرئيسين عون وسلام مبالغ فيه، فهما متفقان على دعم الجيش وتطبيق حصرية السلاح، ووصف ما يتم ترويجه عن انحياز رئيس الجمهورية لحزب الله بأنه "غير دقيق"، مؤكدًا أن الرئيس منحاز فقط للبنان.
رعد في بعبدا: إشارة تهدئة؟
وحول زيارة محمد رعد إلى بعبدا، اعتبر سكاف أنها خطوة باتجاه تسوية بعض الملفات العالقة، داعيًا حزب الله إلى اتخاذ خطوة حاسمة باتجاه تسليم السلاح وإنقاذ البلد، وإلا فإن البلاد متجهة إلى تصعيد خطير في شهر تشرين الثاني المقبل.
وختم سكاف بأن سلاح الحزب لم يعد موحّدًا: جزء منه محاصر بالطائرات الإسرائيلية، وقسم خفيف لا يشكل خطرًا على إسرائيل، التي قد تجد مصلحة في بقاء السلاح لتشتيت الداخل اللبناني، مشددًا على أن "المطلوب اليوم هو وعي سياسي، وقراءة مصلحة لبنان أولاً وأخيراً".
ترامب وخطة غزة
في سياق إقليمي، ردت حركة حماس على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، مؤكدة موافقتها على إطلاق سراح جميع أسرى الاحتلال، وتسليم إدارة قطاع غزة إلى هيئة فلسطينية مستقلة تتكون من التكنوقراط، ضمن توافق وطني فلسطيني مدعوم عربياً وإسلامياً.
من جانبه، وصف ترامب هذه التطورات بأنها "يوم عظيم"، في مؤشر على إمكانية حصول تقدم في ملف التهدئة.