خاص

دخل اتفاق غزة حيّز التنفيذ استنادًا إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تشدّد على نزع سلاح حركة حماس وإخراج قياداتها من القطاع، تمهيدًا لتمكين "مجلس السلام في غزة" من إحكام سيطرته على المنطقة. غير أن ما يثير الجدل في خطة ترامب هو البند المتعلّق بأمن غزة، إذ نصّ على أن حركة حماس ستتسلّم الملف الأمني خلال المرحلة الانتقالية، وفقًا لما أعلنه ترامب نفسه. فهل يكون بذلك قد منح "حماس" قبلة حياة جديدة؟

الكاتب الفلسطيني نهاد أبو غوش يجيب في حديثه لـ"وردنا" على هذا السؤال، معتبرًا أن تصريحات ترامب حول أمن غزة ودور حماس تتّسم بالتناقض. فالرئيس الأميركي يقول شيئًا اليوم وينقضه غدًا، كما حدث في موقفه من "ردع حماس للمجموعات المسلحة المرتبطة بالاحتلال"، إذ وصفها مرةً بـ"العصابات الشريرة" مؤكدًا استعداده للتصدي لها، ثم عاد وتراجع عن هذا الموقف. الأمر نفسه ينطبق على مسألة تسليم جثث الجنود الإسرائيليين القتلى، وخروقات وقف إطلاق النار، وكذلك على قضية نزع سلاح حماس.

ويرى أبو غوش أن هذه التناقضات تعود إلى أن خطة ترامب نفسها مليئة بالثغرات والفجوات والمواقف الملتبسة، التي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتحكم وحده في تفسيرها. فنتنياهو، بحسبه، يسعى لاختزال الاتفاق في مرحلته الأولى ثم يماطل في تنفيذ المراحل اللاحقة بما يتناسب مع الأوضاع الداخلية في إسرائيل، ومع حساباته بشأن وقف الحرب في هذه المرحلة تحديدًا. كما أنه ما زال يتهرّب من تقديم إجابات واضحة حول "اليوم التالي" في غزة.

ويضيف أبو غوش أن نتنياهو اضطر لتمرير الاتفاق رغم تحفظاته، لأنه لا يستطيع معارضة ترامب، لكنه وضع بصماته عليه، مراهناً على أن إسرائيل، بوصفها القوة العسكرية المسيطرة، ستفسّر البنود الغامضة وتتحكم في تنفيذها وفق مصالحها. ولم يستبعد أن تبقى فكرة التهجير حاضرة في الذهنية الإسرائيلية، ليس بالضرورة بشكل مباشر، بل عبر الإبقاء على السيطرة الكاملة على غزة أرضًا وسكانًا، ما يجعل الحياة في القطاع بالغة الصعوبة.

وأشار إلى أن الخطة تعجّ بالثغرات منذ مرحلتها الأولى، مرورًا بالقضايا الشائكة مثل سحب سلاح حماس، والسؤال الجوهري: لمن ستسلّم حماس سلاحها؟ وكيف سيتشكّل "مجلس التكنوقراط الفلسطيني"؟ وما علاقته بـ"مجلس السلام" الذي يراه معظم الفلسطينيين مجلس وصاية؟ هذا إلى جانب دور "قوة حفظ الاستقرار" المتعددة الجنسيات. وبرأيه، فإن نتنياهو معنيّ أساسًا بالمرحلة الأولى من الاتفاق، لأنها تتضمّن كل ما تريده إسرائيل، بينما تُؤجَّل مصالح الفلسطينيين إلى مراحل لاحقة قد لا تأتي أبدًا، كما حدث مع اتفاق أوسلو الذي تحوّل من اتفاقية انتقالية مؤقتة إلى واقع دائم.

ويتابع أبو غوش أن نتنياهو يراهن على أن الزخم الأميركي واهتمام الرئيس ترامب سيتراجع تدريجيًا، خصوصًا بعد أن نال ترامب مشاهد الإنجاز التي أرادها. غير أن مستقبل الاتفاق يبقى مرتبطًا بمواقف الدول الضامنة، والدول العربية والإسلامية التي شاركت في اجتماعي نيويورك وشرم الشيخ، فضلًا عن مواقف المجتمع الدولي، كأوروبا والأمم المتحدة، اللتين أبدتا اهتمامًا بالمشاركة في مجلس السلام، وسط مساعٍ لاستصدار قرار من مجلس الأمن يحدد صلاحياته وحدود تفويضه.

ويعتبر أبو غوش أن هذا التطور يشكل سلاحًا ذا حدّين: فمن جهة، إن إنشاء المجلس دون التأكيد على الوحدة الجغرافية والسياسية بين الضفة وغزة يُعدّ، في نظر الفلسطينيين، تكريسًا للهدف الإسرائيلي بتفتيت الكيانية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، فإن إسرائيل تعارض أي تدخل دولي فعلي باستثناء تدخل الولايات المتحدة.

كما يشير إلى أن ما يجري للفلسطينيين لا يخصهم وحدهم، بل يطال الدول العربية المجاورة والمحيط الإقليمي بأسره، فضلًا عن كون القضية الفلسطينية تحوّلت إلى رمز عالمي للعدالة والإنسانية.

ويشدّد أبو غوش على أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق أو من دورها كضامن، إذ لا يزال ترامب متمسكًا برؤيته المرتبطة بـ"صفقة القرن" و"السلام الإبراهيمي". فالمواجهات التي تخوضها واشنطن مع خصومها حول العالم — من الصين وروسيا إلى أميركا اللاتينية والهند وبعض الدول الأوروبية — تجعلها أكثر تمسكًا بالحفاظ على منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك فيها نفوذًا واسعًا، بفضل قواعدها العسكرية واستثماراتها الضخمة.

ويختم أبو غوش بالقول: "المشكلة الكبرى هي إسرائيل التي تنتهج سياسات عدوانية ومتغطرسة، فهي تحتل أراضي ثلاث دول عربية، وأطماعها بالهيمنة والتوسع تتجاوز هذه الدول. لقد اعتدت عسكريًا على أراضي سبع دول، وكانت تروّج لنفسها كحليف يوفر الحماية للدول العربية في مواجهة إيران، فإذا بها تكشف عن وجهها العدواني وتشكل خطرًا على شعوب المنطقة. لذلك، فإن تثبيت المصالح الأميركية في الشرق الأوسط يتطلب دمج إسرائيل في الإقليم، ومدخل ذلك هو إنهاء الحرب في غزة وحلّ القضية الفلسطينية. لكن للأسف، تراجعت الدول العربية عن شرط قيام الدولة الفلسطينية إلى شرطٍ مبهم حول "مسار موثوق يقود إلى حل سياسي"، بينما تجاهلت خطة ترامب ذكر الدولة الفلسطينية إلا باعتبارها مجرد "طموح مشروع" للفلسطينيين، لا حقًا أصيلًا كفلته قرارات الأمم المتحدة."

يقرأون الآن