لا يبدو ان الضغوطات الأميركية على لبنان لنزع سلاح "حزب الله"، والاعتداءات الاسرائيلية المتصاعدة، أكثر حدّة من الأزمات والانقسامات الداخلية التي تتجلى يوما بعد يوم، وما يجري حول قانون الانتخاب خير دليل حتى ان البعض اعتبره معركة كسر عضم قبل 7 أشهر من المعركة الانتخابية الفعلية في أيار المقبل.
الوضع الداخلي الميداني يمكن إيجازه على الشكل التالي: رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا إلى جلسة تشريعية عامة في الثامن والعشرين من الجاري بجدول أعمال جلسة التاسع والعشرين من أيلول الماضي التي طار نصابها بفعل إنسحاب النواب السياديين رفضا لعدم إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر الذي تقدّم به 9 نواب في 9 أيار 2025، ويرمي إلى إلغاء المادة 112 من قانون الانتخابات النيابية مع العلم ان 67 نائبا كانوا قد وقعوا عريضة تطالب بتعديل قانون الإنتخاب النافذ، ليتمكن المغتربون من الإقتراع لـ 128 نائباً من أماكن وجودهم في بلدان الانتشار. رفض بري تعديل القانون النافذ الذي حسب قوله "لا يتقدّم عليه إلا الإنجيل والقرآن". أما الحكومة اللبنانية التي أرسلت اليها وزارة الخارجية والمغتربين في 13 الجاري مشروع قانونٍ معجّل لإلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب، فعادت ورمت كرة تعديل القانون في ملعب البرلمان بعدما رأت أن القانون بوضعه الراهن يتضمن ثغرات، ولا سيما الجزء المرتبط بانتخاب المغتربين، وغموضاً يستدعي تدخلاً للمشرع إذ شدد رئيس الحكومة نواف سلام على "ضرورة تمكين غير المقيمين من التعبير عن قناعاتهم الانتخابية على أفضل وجه ممكن وبأسهل الطرق، وبما يضمن تمثيل شتى فئات المجتمع". ليردّ بري بالقول ان "الحكومة لا يحقّ لها أن ترسل قانوناً جديداً إلى مجلس النواب في ظلّ وجود قانونٍ سارٍ"، معتبرا ان "هناك محاولاتٍ تهدف إلى عزل طائفة".
على أي حال، وفق ما بات معلوما، فإن تكتل "الجمهورية القوية"، و"الكتائب" وكتلة "تحالف التغيير"، سيقاطعون الجلسة المقرّرة غدا الثلاثاء في حين يقوم اليوم وفد من "حركة أمل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" بزيارة مشتركة لرئيس الجمهورية جوزاف عون رداً على الجولة التي قام بها وفد النواب المطالبين بتعديل قانون الانتخاب الأسبوع الماضي.
لا يجوز الانتقاء من الدستور والطائف
إذا، الضبابية تلف جلسة الثلاثاء، وفي حال بقي كل طرف على موقفه، فإن الامور متجهة نحو التصعيد الا أن عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة، رأى في حديث لموقع "وردنا" ان جلسة الغد ستكون مكتملة النصاب وفق ما نسمعه من النواب والكتل. ليس من المفترض أن تتأزم الامور بسبب قانون الانتخاب لأننا في كثير من الاحيان نختلف على القوانين، والرئيس بري لا يضع أي قانون على جدول الاعمال اذا كان يسبب انقساما في البلد، وليست هذه المرة الاولى ولن تكون الاخيرة. هناك فريق في البلد يعتبر ان اللحظة مؤاتية لصرف وضعية الحرب الاسرائيلية في المعادلة الداخلية. لن يُسمح بهذا الامر. هناك قوانين مهمة على جدول الاعمال غدا تنتظر الاقرار ومنها قرض البنك الدولي لاعادة الاعمار. وهنا نسأل:لمصلحة من تعطيل التشريع؟ هل هذه وسيلة ضغط؟ من يعطل اليوم، كان يأخذ على الطرف الآخر انه يعطّل في مرحلة ما. ما الذي حصل؟ سنة 2017 اعتبروا هذا القانون انتصارا، ما الذي جرى ليطالبوا بالتعديل اليوم مع العلم اننا نحن لم نكن متحمسين للقانون حينها لأنه زاد الانقسام بين اللبنانيين. لا يجوز الانتقاء من الدستور والطائف وفق خواجة.
المعركة لن تنتهي عند حدود اسقاط النصاب أو اكتماله
أما نائب تكتل "الجمهورية القوية" جورج عقيص، أكد في حديث لموقع "وردنا" ان الانتخابات النيابية لن تطير تحت أي ظرف من الظروف ومهما بلغ مستوى الخلاف السياسي بين الكتل.
ولفت عقيص الى "اننا نحاول جهدنا ألا يكتمل النصاب في جلسة الغد، وهذا الامر نتركه لمسؤولية ووطنية وضمير كل نائب يريد المتابعة في المسيرة التشريعية. على أي حال، ان اكتمل النصاب أو لم يكتمل، ليس هذا المهم انما نحن نريد إيصال صوتنا في لبنان والخارج ان الكتل النيابية مقسومة قسمين: كتل تهتم بلبنان المغترب وتفعل المستحيل لضمان حقه بالمشاركة في الحياة السياسية. والشعب أصبح واعيا لمعاقبة أي جهة سياسية لا تؤمن المساواة بين اللبنانيين، ولديه ما يكفي من الحكمة والادراك السياسي للتمييز بين الكتل التي تقف الى جانبه وبين الكتل التي تعمل لتأمين مصالحها الضيقة على حساب المصلحة العامة. نحن نعوّل ان تمارس الحكومة مسؤوليتها، وتحيل القانون المرسل اليها، وبتنا في جو انها لم تعد بعيدة عن ارسال مشروع القانون الى البرلمان. ونشدد على ان المعركة لن تنتهي عند حدود اسقاط النصاب أو اكتماله في الجلسة.
الكلمة الفصل لرئيس الجمهورية
وبعيدا عن المواقف السياسية والاختلافات بين الكتل النيابية، وبغض النظر عما اذا كانت جلسة الغد ستلتئم أو سيتم تطييرها لعدم اكتمال نصابها، ماذا يقول القانون اللبناني بشأن كل ما يجري حول قانون الانتخاب؟
الخبير الدستوري سعيد مالك أوضح لموقعنا ان ما صرح به الرئيس بري عن ان "الحكومة لا يحقّ لها أن ترسل قانوناً جديداً إلى مجلس النواب في ظلّ وجود قانونٍ سارٍ"، في حال صحّ هذا التصريح، فإن الدستور لا يقول ذلك لأن التعديلات التي تقترحها الحكومة بموجب مشروع مرسوم هي تعديلات على قانون نافذ اذ لا يمكن أن ترسل تعديلات على قانون لم يصدر. وبالتالي، اليوم أضعف الايمان ان يكون القانون نافذا حتى تقترح الحكومة على مجلس النواب بمقتضى مشروع قانون معجل، تعديلات على هذا القانون. لا أرى أي عيب دستوري في هذا الشأن انما تسويف ومحاولة لخنق عمل السلطة التنفيذية التي لها الحق بطلب تعديلات على القوانين عامة، كيف اذا كان قانون الانتخاب؟.
وأشار مالك الى ان ليس هناك ما يلزم الرئيس بري على طرح مشروع قانون الحكومة على أول جلسة يعقدها المجلس النيابي رغم ان ذلك هو أضعف الايمان كون الحكومة عندما تقدم مشروع قانون يُفترض على مجلس النواب ان يناقشه ويتخذ القرار المناسب على ضوء النقاش. أما الاحتفاظ به في الادراج يعتبر عرقلة لأعمال السلطة التنفيذية. وفي حال التصعيد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكون الكلمة الفصل لرئيس الجمهورية الذي هو حامي الدستور، وأقسم على احترامه، ويفترض عليه أن ينبّه السلطات المعنية من تشريعية وتنفيذية الى ضرورة الالتزام بنصوص الدستور بحيث لا يحق لأي سلطة من السلطتين أن تعمل على مصادرة صلاحيات السلطة الاخرى.


