حينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الصيني شي جينبينغ، خلال لقائهما في بكين في سبتمبر 2025، إن "تكرار عمليات زراعة الأعضاء قد يجعل الإنسان أكثر شباباً وربما يعيش حتى 150 عاماً"، بدا التصريح أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الحديث الجاد.
لكن خلف هذا التعليق المثير، كانت هناك بالفعل حقائق علمية تتطور بصمت في مختبرات الطب الحيوي، تكشف إلى أي حد أصبح الحلم بالخلود يغازل العلم دون أن يتحقق بعد.
العلم يتقدّم... ولكن في حدود
فقبل أيام فقط من تلك المقابلة بين الزعيمين، أعلن باحثون في معهد طبي أوروبي عن اكتشاف "مفتاح جزيئي" قادر على تقليل أحد أكثر مضاعفات زراعة الكبد شيوعاً، وهو فشل الأعضاء المزروعة بسبب رفض الجسم لها، ما قد يُطيل عمر الأعضاء المزروعة. لكنه لا يعني أبداً أن الشيخوخة قابلة للمحو عبر استبدال الأعضاء مثل القطع التالفة في أي آلة... لتبقى الفكرة أقرب إلى روايات الرعب القوطي منها إلى العلم الحقيقي.
وفي السياق، قال الباحث دان ستراتون، من جامعة "ذا أوبن" البريطانية، في مقال تحليلي بموقع ScienceAlert العلمي: "زراعة الأعضاء قادرة على إنقاذ حياة، لكنها لا يمكنها إعادة ضبطها... فالعلم يستطيع تمديد الحياة، لكنه لا يملك بعد أي وسيلة لإعادة الشباب".
من "خلايا القرود" إلى "دم الشباب"
علماً أن فكرة إعادة الشباب بزرع أعضاء جديدة ليست جديدة على الإطلاق. ففي أوائل القرن العشرين، جرب بعض الأطباء الأوروبيين عمليات نقل "أجزاء من خصى القرود" إلى رجال أثرياء على أمل استعادة الحيوية الجنسية، في تجارب وُصفت آنذاك بـ"الجنون العلمي".
لكن الفكرة نفسها عادت اليوم، في ثوب أكثر حداثة — مع رواد التقنية والذكاء الاصطناعي الذين يسعون إلى إبطاء الشيخوخة بالدم الشاب.
فقد أجرى رجل الأعمال الأميركي برايان جونسون، المعروف ببرامجه وتجاربه الغريبة لمحاربة التقدّم في العمر، عمليات نقل بلازما الدم من متبرعين شباب إلى جسده، على أمل "تجديد خلاياه".
واستوحى هذه الممارسات من تجارب أجريت على الفئران، حيث أظهرت الدراسات أن دم الفئران الصغيرة يمكن أن يحسّن مؤقتاً وظائف العضلات والذاكرة لدى الفئران الكبيرة في السن.
على الرغم من أن العلم أكد أن البشر مختلفون. فالتجارب السريرية على البشر فشلت في إثبات أي تأثير مضاد للشيخوخة لدم الشباب؛ بل حذّرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) عام 2019 من مخاطر هذه "العلاجات التجارية"، ووصفتها بأنها "غير مثبتة وربما خطيرة".
زراعة الأعضاء: إنقاذ لا خلود
وعلى أرض الواقع، تستخدم زراعة الأعضاء اليوم لإنقاذ حياة مرضى فشلت أعضاؤهم الحيوية؛ مثل القلب أو الكبد أو الكلى، لكن العملية معقّدة وخطرة. إذ يتعامل الجهاز المناعي مع العضو المزروع كجسم غريب ويهاجمه، مما يفرض على المريض تناول أدوية مثبطة للمناعة مدى الحياة.
كما تؤدي هذه الأدوية إلى ضعف المناعة وزيادة خطر العدوى والسرطان، ومع مرور الوقت تبدأ الأنسجة المزروعة بالتدهور تدريجياً بسبب الالتهاب المزمن... حتى أن الحالات المتكررة لزراعة الأعضاء لدى كبار السن غالباً ما تفشل سريعاً لأن أجسامهم لا تملك القدرة على ترميم الأنسجة أو مقاومة العدوى كما في الشباب.
من هنا، يقال ستراتون: "حتى لو استبدلنا كل الأعضاء، لا يمكننا إعادة تشغيل الساعة البيولوجية".
ندرة الأعضاء... وسوق مظلم
أما على الجانب الأخلاقي، فلا يزال العالم يواجه أزمة حقيقية؛ فالعرض أقل بكثير من الطلب.
وفي كل بلد تقريباً، هناك قوائم انتظار طويلة للمرضى المحتاجين لأعضاء متبرعين، ما يدفع البعض إلى اللجوء إلى السوق السوداء التي تتاجر بأعضاء بشرية تُنتزع غالباً من فقراء أو سجناء.
وقد دفعت هذه الأزمة العلماء إلى البحث عن بدائل مثل الزراعة من الحيوانات (Xenotransplantation) - خصوصاً من الخنازير- لكن التجارب حتى الآن فشلت بسبب الرفض المناعي الحاد.
أما خيار الأعضاء المستنسخة أو المزروعة مخبرياً فلا يزال بعيد المنال، فالعلماء نجحوا في زراعة "عضويات مصغرة"(Organoids) تحاكي الكبد أو الكلية، لكنها لا تصلح بعد كأعضاء حقيقية قابلة للزرع.
الدماغ... العضو الذي لا يُستبدل
لكن حتى لو نجح الإنسان يوماً في استبدال كل عضو في جسده، سيبقى الدماغ هو الاستثناء الأكبر. فهو ليس مجرد كتلة من الخلايا، بل مركز الهوية والذاكرة والوعي. ولا توجد أي وسيلة علمية حتى اليوم لتجديد خلايا الدماغ أو استبداله دون فقدان الشخصية نفسها. ولهذا، يصف العلماء فكرة "الخلود عبر زراعة الأعضاء" بأنها أسطورة رومانسية أكثر منها مشروعاً طبياً.
وفي النهاية، كتب ستراتون مؤكدا أن "فكرة زراعة الأعضاء من أجل الخلود ليست الخطوة القادمة في الطب، بل مرآة تعكس خوفنا من الفناء. فالعلم يمكن أن يمنحنا سنوات إضافية من الحياة، لكنه لا يستطيع أن يجعلنا خالدين. ومهما بلغت براعة الجراحة والتقنية، تبقى الشيخوخة جزءاً من الطبيعة البشرية، لا عيباً في التصميم يمكن إصلاحه".


