إستباحة إيرانية للسيادة اللبنانية تجلّت أمس بأبهى حللها من خلال الهجوم "الناري" الذي شنته صحيفة "طهران تايمز" على مصرف لبنان وإجراءاته النقدية التي تستهدف تجفيف اقتصاد الكاش، معتبرة ان البنك المركزي اللبناني تخلى فعليًا عن سلطته، وسلم واشنطن المفتاح الرئيسي.كل صرّاف تحوّل بفعل تعاميم مصرف لبنان إلى مكتب استخبارات مصغر وأنّ اللبنانيين يخضعون الآن لتدقيقٍ تَدخُّليٍ أشد صرامةً مما تفرضه العديد من الدول المدرجة على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي.
الهجوم الايراني، أتى على خلفية إصدار حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، تعميما يقضي بمنع دخول أي أموال، بشكل مباشر أو غير مباشر، مصدرها هيئات أو منظمات لبنانية خاضعة لعقوبات دولية، ولا سيما العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC)، إلى القطاع المصرفي اللبناني الشرعي ما يعني أن التعميم يطال جمعية "مؤسسة القرض الحسن" مباشرة ويحظر التعامل معها. كما أصدر وزير العدل عادل نصار تعميما طلب فيه من كتّاب العدل التحقق من أن كل أطراف الوكالة غير مدرجين على لوائح العقوبات الوطنية والدولية، ومن مصدر الأموال وذكره في المعاملة أو العقد المنظّم لديه.
هذه التعاميم التي أوجعت إيران و"حزب الله" في لبنان الذي بات اليوم يواجه معركة مالية الى جانب معركته السياسية ورفضه تسليم سلاحه حيث اعتبر الأمين العام للحزب نعيم قاسم ان حاكم مصرف لبنان ليس موظفاً عند أميركا كي يُضيّق على المواطنين بأموالهم، وعلى الحكومة أنْ تضع له حداً. ووزير العدل ليس ضابطة عدلية عند أميركا وإسرائيل، وعليه أنْ يتوقّف عن منع المواطنين في معاملاتهم.
ورغم ان هذه التعاميم أتت بعد زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية الى بيروت الذي التقى المسؤولين وحاكم مصرف لبنان، مستبعدا الشخصيات الشيعية من جولته، والذي طلب إقفال منافذ تمويل "حزب الله" وتنفيذ حصرية السلاح، أشار مصدر مطلع لموقع "وردنا" الى ان التعاميم صادرة عن جهات رسمية، وهي مهمة جدا في المرحلة الحالية بحيث ان لبنان تحت المجهر الدولي الذي يراقب لحظة بلحظة تنفيذ خطة الحكومة بحصر السلاح الى جانب تجفيف مصادر تمويل "الحزب"، حماية لسمعة البلد وإبعاده عن شبح العقوبات أو إخراجه من النظام المالي العالمي. وهناك وجهة نظر تقول انه في حال تم تجفيف الاموال، فالحزب سيتخلى عن سلاحه تحت ضغط الحصار المالي والاقتصادي. وهذا ما عبّر عنه وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي الذي لفت قبل ساعات من وصوله الى بيروت الى ان بلاده رصدت تدفق مليار دولار من إيران إلى "حزب الله" منذ مطلع عام 2025، وان أميركا تسعى للاستفادة من فرصة سانحة في لبنان تستطيع فيها قطع التمويل الإيراني عن "حزب الله" والضغط عليه لإلقاء سلاحه.
وفيما يعتبر "حزب الله" على لسان مسؤوليه ان هذه الاجراءات المالية تهدف الى تضييق الخناق والحصار على الحزب، وتنتهك مبدأ السرية المصرفية، فهي تحظى بغطاء رسمي سياسي خصوصا من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، على اعتبار ان القضية لا تتعلق بمصادر التمويل فقط بل لأنها تضع سمعة لبنان المالية على المحك.
الرمادية والضبابية مرفوضة
وسط كل هذه المعطيات والتعقيدات، هل ينجح لبنان في تنفيذ تعاميمه المالية التي ربما تسهّل خطوته السياسية في حصرية السلاح أو انه سيتم الالتفاف عليها بطريقة أو بأخرى؟ وهل أوجعت هذه التعاميم ايران الى حدّ انها شنّت هجوما غير مسبوق على مصرف لبنان؟ وهل تخلّى البنك المركزي فعليًا عن سلطته، وسلم واشنطن المفتاح الرئيسي كما تقول الصحيفة الايرانية؟
الوزير السابق ألان حكيم، سأل عبر "وردنا": هل المطلوب اليوم أن يسيطر الاقتصاد الاسود والاقتصاد الكاش على الدولة اللبنانية؟ هل هذه هي إرادة إيران؟ نحن نرفض السياسة المالية الارهابية التي تُعتمد من قبل ايران لتمويل أذرعها في المنطقة كما نعارض كل ما هو مصنف في خانة تبييض الاموال. الخطر على لبنان اليوم يكمن في اضعاف سلطة الدولة، والاقتصاد الاسود خطر عليها كالسلاح الغير شرعي. كما ان السلاح خارج المؤسسات العسكرية مرفوض، فالمال والنقد خارج اطار مصرف لبنان ومؤسسات الدولة مرفوض أيضا. اليوم، الموضوع المالي يمكن ان يكون أهم من الشأن السياسي لأن مراقبة مصادر الاموال، وتجفيفها يساهم في اسقاط السلاح. ولفت حكيم الى ان الحزب يعيد بناء هيكليته، وهذا أمر مرفوض لبنانيا أولا. المجتمع الدولي يريد ادخال لبنان في المنظومة المالية الدولية من باب الشفافية والحوكمة والادارة الجديدة الاصلاحية، وهذا يضر الحزب الذي لديه اقتصادا مرادفا. مصرف لبنان يقوم بحرب مالية لاعادة لبنان الى سابق عهده. الرمادية والضبابية باتت مرفوضة. اما دولة لبنانية سيادية أو دولة فاشلة كما تريدها ايران.
وشدد على ان لبنان لا ينفذ الاملاءات الاميركية انما يطبق القوانين الدولية. واذا كان المجتمع الدولي يتوافق مع الارادة والمصلحة اللبنانية، فالامر جيد، ونستفيد من دعمه.
ما ينطبق على السياسة ينطبق على الاقتصاد والمال
من ناحيته، اعتبر مؤسس "دار الحوار " الصحافي بشارة خيرالله انها ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها حاكم مصرف لبنان لحملة من فريق معيّن، سبق وهاجم أيضا الحاكم رياض سلامة. حاكم البنك المركزي كريم سعيد يحاول حصر الموضوع المالي بالمؤسسات الرسمية، وهنا لب القضية، والباقي تفاصيل بحيث ان الحزب يملك "مؤسسة القرض الحسن" التي لا تخضع لقانون النقد والتسليف. وأرى ان ما ينطبق على السياسة ينطبق على الاقتصاد والمال بمعنى ان أي رأي يخالف رأي الحزب يوضع في خانة العمالة. والرسالة التي تطاولت على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحتى على رئيس المجلس النيابي خير دليل. هذا الفريق خارج اطار الشرعية وخاصة بعد قرار مجلس الوزراء في ٥ و٧ آب، ويحاول العبث بالمؤسسات الدستورية والمالية ليحافظ على مكانته وعلى مكتسباته خارج اطار الدولة.
وتحدث خيرالله عن تصنيف "حزب الله" كمنظمة ارهابية على الصعيد الدولي، لكن نحن في لبنان نراعيه، ونعتبره جزءا من البلد. وأول شرط من شروط مكافحة الارهاب تجفيف المنابع المالية. الحزب غير شرعي في الداخل اللبناني لأنه لا يخضع لأي قانون، وفاتح على حسابه. كما نرفض اتهام حاكم مصرف لبنان بأنه ينفذ املاءات دولية لأن تعاميمه المالية وإن تزامنت بالصدفة مع زيارة وفد الخزانة الاميركية الى لبنان، لكنها تأتي في صلب المصلحة اللبنانية العليا، وهذا واجبه وهذه صلاحياته. الاصلاح مطلب لبناني قبل ان يكون مطلبا خارجيا.


