الضربة التي استهدفت مركزاً تدريبياً لحركة حماس داخل مخيم عين الحلوة لم تكن حادثاً أمنياً عادياً، ولا تفصيلاً مرتبطاً بسياق المخيم فقط. ما حصل اليوم هو مؤشر واضح على مرحلة جديدة بدأت فعلياً: مرحلة يقوم فيها المجتمع الدولي بتفكيك كل البنى العسكرية غير الشرعية في المنطقة، واحدة تلو الأخرى، من غزة إلى لبنان.
التوقيت لافت. فبعد حرب غزة، تشكّلت مقاربة دولية جديدة أساسها منع حماس من إعادة بناء نفسها خارج القطاع، وتجفيف أي قدرة عسكرية لها في الشتات. وهذا يشمل بشكل مباشر المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي لطالما اعتُبرت مناطق معقّدة وصعبة الدخول، وبالتالي كانت ملاذاً مثالياً لأي تنظيم يريد العمل بعيداً عن الرقابة.
لكن اليوم، هذه المعادلة انتهت. استهداف مركز تدريبي داخل عين الحلوة يعني بوضوح أن المخيمات لم تعد مناطق محمية. الرسالة الدولية واضحة: لن يُسمح بوجود غرف عمليات، أو تدريبات، أو خلايا أمنية تابعة لحماس على أي أرض خارج غزة، مهما كانت حساسة سياسياً.
والأهم من ذلك، جاءت الرسالة الإسرائيلية المباشرة. وزير الدفاع الإسرائيلي ياسرائيل كاتس أعلن بصراحة أن المسؤولية تقع على الدولة اللبنانية قبل غيرها. فبرأيه، الدولة فشلت في نزع السلاح داخل المخيمات، ولم تطبق القرار 1701، وتركت مراكز التدريب تعمل علناً. كاتس قال ما لم يقله أي مسؤول إسرائيلي بهذا الوضوح: بما أن الدولة اللبنانية لم تفكك هذه البنية، فإسرائيل ستفعل ذلك بنفسها.
هذه ليست مجرد تصريحات، بل جزء من مشروع أوسع يعاد تشكيله: شرق أوسط جديد تبنى فيه منظومة أمنية مركزية، وتزال منه كل القوى المسلحة خارج إطار الدول.
وهنا يظهر السؤال الأساسي: ماذا يعني ذلك للبنان في المرحلة المقبلة؟
ما حصل مع حماس اليوم هو بروفة لما سيطال حزب الله غداً، ولكن بحجم أكبر بكثير. فالجهات الدولية التي تعمل على تجفيف قوة حماس خارج غزة هي نفسها التي ترى أن أي اندماج للبنان في النظام الإقليمي الجديد لن يكون ممكناً ما دام حزب الله يحتفظ بترسانة صاروخية مستقلة، وبقرار حرب لا يخضع للدولة. لذلك، الحديث عن حرب مقبلة في الجنوب ليس مجرد سيناريو إعلامي، بل جزء من مسار دولي واضح: ضرب البنية العسكرية للحزب أو تقليصها جذرياً، كما يحصل اليوم مع حماس ولكن على نطاق أوسع.
لبنان اليوم يدخل مرحلة شديدة الحساسية. فالدولة التي تعجز أساساً عن فرض سلطتها داخل المخيمات – فضلاً عن الجنوب – تجد نفسها الآن وسط معركة تفوق قدراتها وإمكاناتها. وإذا كانت المخيمات قد أصبحت هدفاً مكشوفاً، فإن الجنوب بدوره قد يتحول في المرحلة المقبلة إلى ساحة مواجهة أكبر وأخطر، خصوصاً إذا قررت القوى الدولية استكمال مسار تفكيك البنى العسكرية غير النظامية بلا استثناء.
الرسالة وصلت: ما جرى في عين الحلوة ليس خاتمة فصل، بل افتتاح مرحلة جديدة بالكامل. وما يحصل لحماس اليوم قد يكون مجرد تمهيد لما ينتظر حزب الله غداً، حين تُفتح كل الملفات دفعة واحدة وتبدأ عملية إعادة رسم موازين القوة داخل لبنان.


