شدّد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظته اليوم الاحد على أن لبنان اليوم يحتاج إلى مسؤولين وإلى شعب قادر على أن يقول "نعم" للخير العام، "نعم" للحق، "نعم" لبناء دولة عادلة، "نعم" لانطلاقة جديدة رغم التعب، "نعم" للوحدة بدل الانقسام، وللرجاء بدل اليأس.
وقال إن الوطن الذي قال كلمته بوضوح يعرف أن ينهض، والوطن الذي يقبل الحقيقة لا يمكن أن يبقى في الظلمة، والوطن الذي يفتح باب الضمير يستطيع أن يولد من جديد. وأضاف أن بشارة مريم كانت انتقالاً من الانتظار إلى الولادة، وأن لبنان اليوم بحاجة إلى أن ينتقل من الأزمات المتراكمة إلى نهضة جديدة، من الشلل السياسي إلى قرار شجاع، من الصراع إلى التعاون، ومن الخوف إلى الرجاء.
وأشار الراعي إلى أن البشارة تقول إن كل تغيير يبدأ من الداخل، من القلب الذي يترك لله مكاناً ليعمل. واعتبر أن هذه البشارة يجب أن تكون دعوة إلى الوطن ليجد هويته من جديد، وليعرف أن الخلاص لا يأتي من الخارج بل من الداخل، من ضمير حيّ وقدرة على القول: "ليكن لوطننا بحسب مشيئة الحق، لا بحسب مصالح البشر".
وأوضح أن كثيرين يسمعون صراخ الوطن، لكن قلّة تقبل أن تحمل الرسالة كما حملتها مريم، مشدداً على أن لبنان يحتاج اليوم إلى رجال ونساء يقولون: "نحن مستعدون، نحن خدام الخير العام". وأكد أن الخلاص لا يأتي بالقوة بل بالنعمة، وأن الوطن لا يُبنى بالسلاح أو بالشعارات أو بالتحديات، بل بعمل داخلي يشبه عمل الروح القدس: هادئ، عميق، ثابت ومغيّر للحياة.
وأشار إلى أن النهاية الجديدة تبدأ من لحظة قبول بسيطة، فـ"كلمة واحدة من مريم غيّرت التاريخ: ليكن لي حسب قولك"، معتبراً أن كلمة صدق واحدة في السياسة تكفي لفتح أبواب الخلاص الوطني.
وتطرق الراعي إلى عيد استقلال لبنان الذي احتُفل به أمس في ذكراه الثانية والثمانين، قائلاً إن هذا اليوم هو استعادة للكرامة والسيادة وحق الوطن في كتابة مستقبله. وأضاف أن الاستقلال ليس زينة أعلام ولا احتفالات عابرة، بل وعد يتجدّد كل عام بأن لبنان لم يُخلق للظلام بل للنور، وبأن شعبه قادر على أن يبدأ من جديد إذا اجتمع حول إرادة صادقة.
ورأى أن عيد الاستقلال يحمل الرسالة نفسها التي ظهرت يوم البشارة، وهي أن الله قادر على صنع بداية جديدة من قلب البساطة، وأن التغيير الحقيقي يبدأ حين يقول الإنسان "ها أنا" أمام مسؤوليته. وشبّه دور اللبنانيين اليوم بدور مريم التي حملت مشروع الله إلى العالم، معتبراً أن مشروع وطن ينهض من تحت الركام هو خيار يجب أن يتبناه اللبنانيون عندما يلتزمون بحقيقة وطنهم وهويته.


