يزدحم الاسبوعان الأخيران من العام الحالي بالأحداث واللقاءات المهمة التي سيكون لها تداعيات، سلبية أو إيجابية على الساحة اللبنانية، ومن أبرزها لقاء باريس التحضيري لمؤتمر دعم الجيش في 18 الجاري، يليه اجتماع "الميكانيزم" بعد تطعيمها بمدنيين لبناني وإسرائيلي،وسط معلومات عن اقتراح فرنسي بتمديد المهلة من نهاية هذا الشهر حتى نهاية كانون الثاني للإنتهاء من جمع السلاح جنوب الليطاني، بالاضافة الى اجتماع الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر الشهر الجاري، في البيت الأبيض للبحث في شؤون المنطقة، وسيكون ملف لبنان على الطاولة خصوصا فيما يتعلق بتحديد توجهات إسرائيل بشأن التصعيد العسكري.
أما اللقاء الهام الذي استجدّ في زحمة اللقاءات والمواعيد، تمثّل بالزيارة التي يقوم بها المبعوث الأميركي توم برّاك إلى إسرائيل اليوم الإثنين حيث أوضح الإعلام الإسرائيلي أنه "سيبحث منع التصعيد في سوريا ولبنان" مع العلم ان نتنياهو كان طلب إلغاء جلسة محاكمته اليوم للقاء مسؤول أميركي حول لبنان. بالتوازي، وفي زيارة لا تقل أهمية، كشفت مصادر صحافية ان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يصل إلى بيروت الأسبوع المقبل لاستكمال الجهود التي تبذلها القاهرة لتفادي التصعيد الاسرائيلي ضد لبنان.
هذه اللقاءات، والحركة الديبلوماسية الناشطة، من الغرب الى الشرق، تتزامن مع الاصداء الايجابية حول نجاح "الميكانيزم" والجيش اللبناني في الحؤول دون قصف إسرائيل لمنزل في يانوح اذ أعلن الجيش في بيان أنه "في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية، أجرى تفتيشًا دقيقًا لأحد المباني في بلدة يانوح بموافقة مالكه، وتبيّن عدم وجود أي أسلحة أو ذخائر"، لافتا الى ان "الميكانيزم"، بالتنسيق مع الجيش و"اليونيفيل"، أدت دورًا أساسيًّا من أجل وقف تنفيذ التهديد.
وفي هذا الاطار، أشار النائب السابق شامل روكز في حديث لموقع "وردنا" الى ان الجيش اللبناني موجود ومكلف بتطبيق القرار 1701، وضبط الاوضاع كما يجب. هو المسؤول، ويتصرف انطلاقا من مسؤوليته. يجب احترام ما يقوم به الجيش لأنه يطبق قرارات دولية بكل مسؤولية ومهنية. ولا بد ان براك يزور تل أبيب اليوم ليطلب من نتنياهو التهدئة، وتطبيق القرارات الدولية في لبنان، لكن لا بد أيضا من انتظار النتائج لأن المفاجآت دائما واردة.
إذا، رغم الاستهداف الاسرائيلي المتواصل، تطفو على سطح الازمة اللبنانية، بعض الاشارات الايجابية التي لا ترقى الى مستوى الطمأنة أو استبعاد احتمالية التصعيد على لبنان انما تشير الى ضوء في النفق المظلم في ظل الجهود المتعددة الاطراف وسط التساؤلات: هل بدأت مفاعيل اجتماعات لجنة "الميكانيزم" تظهر ميدانيا، لتشكل ارتدادات إيجابية بعد تطوير اطارها التفاوضي من خلال تطعيمها بمدنيين؟ وهل زيارة براك الى إسرائيل للتهدئة مع العلم ان "الميكانيزم" تجري اتصالات على أعلى المستويات في هذا الشأن، وتحاول منع التصعيد، واعطاء الفرصة لمسار التفاوض خصوصا انها تحظى بدعم أميركي وفرنسي؟.
المحامي طارق شندب، لفت في حديث لموقعنا الى ان براك يبحث مع نتنياهو الوضع الداخلي الفلسطيني في ظل التدمير المنهجي في غزة، وضرورة الالتزام بالمرحلة الثانية من خطة وقف اطلاق النار بحيث ان اسرائيل لا تبالي بهذا الاتفاق، بالاضافة الى التباحث بالحدود مع لبنان، والوضع في سوريا. نتنياهو يصعّد في هذه البلدان. براك يزور تل أبيب في محاولة للجم نتنياهو. موضوع لبنان أساسي في أي حوار في المنطقة، ونحن كلبنانيين مع الدولة، ومع مناهضة العدو الاسرائيلي، لكن في نفس الوقت لا يمكن ان نعطي العدو مبررا للاستمرار بقصفنا وقتلنا. الدولة لا تمتلك قرارا سياسيا موحدا. الدولة التزمت باتفاق وقف النار والاسرائيلي لم يلتزم به فيما حزب الله يصعّد في مواقفه، ويقول انه يعيد بناء بنيته العسكرية، وكأنه يجر لبنان الى حرب مع اسرائيل. الحزب يأخذ لبنان الى المجهول، ونتنياهو يعطي نفسه حجة بأن الحزب لن ينزع سلاحه لا بل يعيد بناء قدرته العسكرية. وبالتالي، يلجأ الى التصعيد العسكري ضد لبنان. وهنا تكمن الخطورة بحيث بات لبنان مرهونا بين سياسة الحزب وسياسة نتنياهو.
أما فيما يتعلق بلجنة الميكانيزم، والمؤشرات الايجابية التي تسود اجتماعاتها، وانعكاساتها على الارض، فاعتبرها شندب فرع من أساس. الاساس هو ان الدولة صاحبة القرار في الحرب والسلم، ولا سلاح على أراضيها الا سلاح الشرعية. كل ما يقال غير ذلك هو للترقيع. الميكانيزم وتطعيمها بمدنيين هو نوع من الاطر التكتيكية أو التنفيذية لاتفاق يجب أن يكون مرحليا. هناك تواطؤ لبناني رسمي في السكوت عن جرائم الحزب ما عدا رئيس الحكومة نواف سلام الذي هو الاكثر تقدما.


