ولي عهد السعودية يعيد تنظيم العلاقات في الشرق الأوسط

 يسعى ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان جاهدا لإعادة تنظيم العلاقات في منطقة الشرق الأوسط من خلال التعاون مع الأعداء القدامى وترتيب خفض إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من النفط على غرار ما حدث أمس الأحد وباغت الأسواق العالمية.

وأشار بن سلمان إلى أنه مستعد للاعتماد على نفسه من دون مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق المصالح السعودية، سواء كان ذلك يعني إعادة تأسيس العلاقات مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران، أو تقليص إمدادات النفط إلى السوق وإثارة غضب المستهلكين.

وتهدف الاستراتيجية إلى تهيئة الظروف التي تمكن المملكة العربية السعودية من التركيز على خطة التحول الاقتصادي الواسعة لمحمد بن سلمان، المعروفة باسم "رؤية 2030" التي يضخ فيها مئات المليارات من الدولارات، أملا في أن تفتح أبواب المملكة المحافظة أمام الأنشطة التجارية والسياحة وسط منافسة إقليمية متزايدة.

وقال محللون إن التحول الاستراتيجي بدأ عام 2019 بعد الهجمات المدمرة على منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية، والتي شككت بعدها الرياض في التزامات أمريكا الأمنية تجاه المنطقة، ثم اكتسب هذا التحول زخما بعد الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية. وقال المحلل السعودي عبد العزيز صقر "تنتقل المملكة العربية السعودية من فك الارتباط، إلى المشاركة للسماح لها بالتركيز على المضي قدما في رؤية 2030".

وبذلت المملكة جهودا دبلوماسية مكثفة حيث أعادت العلاقات مع إيران ووافقت على التقارب مع سوريا في سعيها لإعادة بناء تحالفات إقليمية بدلا من الاعتماد كليا على الولايات المتحدة، حليفها الكبير منذ فترة طويلة. وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها الرياض في أيار/مايو. 

الإنضمام الى منظمة شانغهاي

وبعد أن أعلنت المملكة عن قرارها الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون" التي تقودها الصين، في بادرة على إقامة علاقة طويلة الأمد مع بكين على حساب الولايات المتحدة، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول سعودي تأكيده، أن الولايات المتحدة والصين شريكان مهمان للغاية للرياض. ويقول المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، "نأمل بالتأكيد أن لا نشارك في أي منافسة أو نزاع بين القوتين العظميين. لسنا قوة عظمى، لكننا لاعب مهم في المنطقة والاقتصاد العالمي".

وقال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، اليوم الاثنين، إن الرياض مازالت شريكا استراتيجيا لواشنطن حتى لو لم يتفق الطرفان على جميع القضايا، وأضاف أن واشنطن والرياض تعملان على معالجة التحديات الأمنية المشتركة.

وكانت قد أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تقودها السعودية وحلفاؤها بقيادة روسيا والمعروفة باسم أوبك+، تخفيضات أخرى للإنتاج بنحو 1.16 مليون برميل يوميا مما أثار استياء الولايات المتحدة.

وقال مركز الخليج للأبحاث، ومقره السعودية، إن تخفيضات أوبك توحي "بقدرة كبار منتجي النفط داخل تحالف أوبك+ على التحرر من الضغوط الغربية - الأميركية بما يعزز من الاستقلالية في صناعة القرار بالشكل الذي تُراعى فيها مصالحهم أولا، رغم ما خلفه التخفيض السابق من موجة غضب أميركي".

وقال الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس جيم كرين "نحن في سوق نفط تأتي فيها السعودية أولا، ولا يجني المنتجون المزيد من الأرباح فحسب، وإنما يتمتعون بقدر أكبر من النفوذ الجيوسياسي عندما تعاني الأسواق من شح".

إعادة العلاقات الثنائية مع إيران

أبرمت السعودية اتفاقا مهما مع إيران بوساطة الصين ينص على إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من الخصومة المريرة التي غذت الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وقالت إليزابيث كيندال الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بكلية جيرتون في جامعة كامبريدج إن التحول المفاجئ ربما كان مدفوعا بالمواجهة المتصاعدة بين إسرائيل وإيران.

وأضافت "تأمل السعودية على الأرجح في أن تتجنب الوقوع في صراع إقليمي آخر من خلال تحسين العلاقات مع إيران، وبالتالي إزالة خطر هجوم إيراني مباشر آخر على بنيتها التحتية مثل هجمات 2019 التي عطلت عمل أرامكو".

وذكرت وزارة الدفاع السورية أن القوات الإسرائيلية شنت يوم الأحد ضربات جوية على مواقع إيرانية في سوريا. وقالت مصادر استخباراتية غربية عن قصف تعرضت له قواعد جوية في وسط سوريا حيث يتمركز أفراد إيرانيون.

وأثار الهجوم، وهو الأحدث في سلسلة هجمات على منشآت عسكرية إيرانية في سوريا حليفة إيران الوثيقة، شبح مواجهة إقليمية أوسع من شأنها أن تضع حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين في مرمى النيران إذا تصاعدت العمليات العسكرية.

كما كشفت الضربات الجوية السابقة لقوات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، على مواقع النفط السعودية وعلى مستودع وقود في الإمارات، عن حالة الضبابية التي تحيط بالدور الأمني للولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب، مما دفع الرياض إلى السعي من أجل وقف التصعيد مع طهران وتنويع شركائها الأمنيين.

وقال مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن بلال صعب، إنه لم يكن هناك أي حوار جاد سواء داخل الحكومة الأمريكية أو مع السعوديين بشأن الشروط التي ستهب بموجبها واشنطن للدفاع عن السعودية في حال تعرضها للهجوم. وأضاف صعب أن "السعوديون لا يريدون أن يكونوا وسط حرب ضارية بين إيران والولايات المتحدة، فهم لا يثقون في أن واشنطن ستحميهم".

نظرة المملكة ليست خاطئة

وأثارت العلاقات المتنامية بين الرياض وبكين، قلقا أمنيا في واشنطن التي تقول إن محاولات الصين لفرض نفوذها في أنحاء العالم لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

ويقول الباحث من معهد بروكينغز في واشنطن شادي حميد، إن وجهة نظر السعودية، عن أن انفصال الولايات المتحدة عن المنطقة يتزايد ليست خاطئة تماما.

وأضاف "قرر ولي العهد تأمين نفسه من الناحيتين، سواء من ناحية الاستسلام للواقع أو كوسيلة لاستفزاز الولايات المتحدة لإيلاء المزيد من الاهتمام لمخاوفها الأمنية". وأضاف "انزعجت الولايات المتحدة، لكنها لم ترد بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي شجع بدوره السعودية على مواصلة تعزيز علاقتها مع خصوم أمريكا الرئيسيين". 

رويترز

يقرأون الآن