يواجه قائد الجيش السوداني، وقواته النظامية، مقاتلين يتقنون حرب الشوارع ويوالون واحدا من أمراء الحرب السابقين، في معركة تدك العاصمة الخرطوم، وتجعل السودان على شفا الحرب الأهلية.
ويسيطر قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان على الأسلحة الثقيلة والقوات الجوية، لكن جنوده يواجهون قوة شبه نظامية يقودها قائد ثري سابق لإحدى المجموعات، وهو الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
وأثبتت قوات الدعم السريع، التي يقودها حميدتي والتي يقول المحللون إنها ربما تضم 100 ألف مقاتل أو أكثر، أنها خصم مراوغ حيث أخلت القواعد التي تعرضت للهجوم في العاصمة، وتوارت عن الأنظار في المناطق السكنية التي تفقد المدرعات الثقيلة والتكتيكات العسكرية التقليدية، أفضليتها فيها.
وبعد أن انهار التحالف بين البرهان وحميدتي، يقاتل الرجلان لتسديد ضربة قاضية في نزاع على السلطة قد يؤدي بدلا من ذلك إلى صراع طويل الأمد والمزيد من عدم الاستقرار مما سيعصف بآفاق السلام والانتعاش الاقتصادي في السودان بعد عقود من الاستبداد والحكم العسكري والعزلة الدولية.
وأسفر القتال الذي اندلع يوم السبت عن مقتل 299 شخصا على الأقل، وإصابة 2600 آخرين، وإجبار عشرات المستشفيات على الإغلاق ودفع السكان إلى الاحتماء بمنازلهم بسبب تضاؤل الإمدادات.
ولم يكمل حميدتي تعليمه، وهو الآن في أواخر الأربعينيات من عمره، وبدأ حياته كتاجر إبل في دارفور. وقال محمد سعد، وهو مساعد سابق، إن "حميدتي حمل السلاح أول مرة بعد أن هاجم رجال قافلته التجارية، وقتلوا حوالي 60 شخصا من عائلته الكبيرة وسرقوا ماشيته".
وشحذ حميدتي مهاراته القتالية بعد أن تحالف أنصاره وقوات أخرى غير نظامية مع الحكومة للمساعدة في قمع التمرد الذي اندلع في دارفور عام 2003. وأصبحت المجموعات تُعرف باسم الجنجويد وهو اسم مستمد من عبارة تعني "جنيا يمتطي جوادا" مما أكسبها سمعة مخيفة.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية عمر البشير الرئيس السوداني آنذاك بأنه العقل المدبر لإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في الحملة التي شنها لسحق التمرد.
ونفى البشير وحكومته، مزاعم ارتكاب فظائع، قائلين إن "المتمردين فحسب هم من استُهدفوا في الصراع الذي استمر سنوات، وأسفر عن مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد مليوني شخص".
* التخلي عن ولي النعم
في غمرة نزيف الدماء، لفت حميدتي انتباه البشير الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989. وأصبحت مجموعة حميدتي، التي تحولت إلى قوات الدعم السريع، قوة إنفاذ تستخدمها الحكومة. كما أطلق البشير يد عائلته ومعاونيه في بيع ذهب السودان مما ساعده على جني ثروة.
وانقلب حميدتي على ولي نعمته في وقت لاحق عندما أطيح بالبشير عام 2019. وفي أعقاب ذلك، تولى حميدتي، منصب نائب رئيس مجلس السيادة وهو منصب يتبع البرهان، وتحول إلى سياسي يلقي الخطب، ويلتقي الدبلوماسيين الغربيين ويكسب المؤيدين في الخارج.
وعلى غرار الجيش السوداني، أرسلت قوات الدعم السريع، مقاتلين إلى اليمن الذي تخوض فيه دول خليجية عربية حربا بالوكالة منذ سنوات ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
وقالت شخصية معارضة: "خطط حميدتي ليصبح الرجل الأول في السودان. طموحه بلا حدود"، وطلبت عدم ذكر اسمها خوفا من الانتقام.
وربما تفتقر قوات الدعم السريع إلى الانضباط العسكري التقليدي، لكنها تضم مقاتلين مهرة مسلحين ببنادق كلاشنيكوف وقاذفات صواريخ وشاحنات بيك أب مزودة بمدافع رشاشة مما يجعلها قوة خفيفة الحركة إلى حد كبير.
وحافظت القوات على سمعتها التي تبث الرعب في القلوب. واتهمها محتجون بالمسؤولية عن حملة قمع دموية على مخيم اعتصام في الخرطوم عام 2019 خارج وزارة الدفاع بعد الإطاحة بالبشير. وقُتل أكثر من 100 شخص. ونفى حميدتي أي دور لها في الأمر.
ومنافس حميدتي شخصية مختلفة تماما. فالبرهان جندي قضى 41 عاما في الخدمة العسكرية التي كان معظمها في عهد البشير. وأصبح السودان في عهد البشير منبوذا دوليا ومدرجا في قائمة الإرهاب الأميركية، وأنهكت العقوبات اقتصاده.
وأثبت البرهان، وهو الآن في أوائل الستينيات من عمره، أنه سياسي ماهر، فقد صعد نجمه في ظل حكم البشير قبل أن يتخلى عنه هو الآخر. وقال إنه كان من بين الشخصيات العسكرية التي طلبت من البشير التنحي.
* حلفاء البشير يدعمون البرهان
ومنذ الإطاحة بالبشير، أصبح البرهان الزعيم الفعلي للسودان، وأبرم اتفاقا لتقاسم السلطة مع المدنيين لوضع السودان على طريق يستغرق ثلاث سنوات ويفضي إلى الديمقراطية.
وقال البرهان بعد توليه السلطة: "ما تمر به البلاد الآن هو تهديد حقيقي، وخطر على أحلام الشباب وآمال الأمة". وتعهد بإجراء انتخابات في تموز/ يوليو 2023، وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.
لكن المعارضين الذين خرجوا إلى الشوارع، يقولون إنه رسخ أقدام الجيش في السلطة. وقوبلت الاحتجاجات على سيطرة الجيش على السلطة، برد قوي من قوات الأمن.
وعلى الرغم من أن البرهان وحميدتي ترقيا في عهد البشير، فإن الإسلاميين الذين كانوا أحد أعمدة حكم البشير لثلاثة عقود ربما يرغبون في هزيمة حميدتي وانتصار جيش البرهان النظامي وإعادة حلفائهم العسكريين إلى الحكم.
وقالت جماعات مؤيدة للديمقراطية إن "الموالين لحقبة البشير، أو من يطلق عليهم (فلول) النظام القديم، قد يسعون إلى العودة تحت جنح ظلام قتال الجيش مع قوات الدعم السريع".
ولفتت جماعة تضم تحالف قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في الأحياء في بيان، إلى أن "خطة الفلول وعملهم الدؤوب هو إعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى حتى لو كان ذلك يعني تقسيم البلاد".
وتستعر معركة الخرطوم حاليا في غمرة قتال شرس للسيطرة على مواقع استراتيجية مثل المطار ومقر الجيش والتلفزيون الحكومي.
ولم يتراجع أي من القائدين عن موقفه. وأمر البرهان بحل قوات الدعم السريع، وأعلن أنها جماعة متمردة. وقال مصدران عسكريان إن "الجيش يريد دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي لتصبح تحت سيطرته".
وقال حميدتي الذي وصف البرهان بأنه "مجرم" لقناة الجزيرة، إنهم يعرفون المكان الذي يختبئ فيه البرهان، وسيصلون إليه، وسيسلمونه إلى العدالة أو سيموت.
رويترز