تعد دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة الجامعة العربية في السعودية غدا الجمعة جزءا من توجه أوسع في الشرق الأوسط حيث يتخذ الخصوم خطوات لإصلاح العلاقات المتوترة بسبب سنوات من الصراع والتنافس.
وتسارعت وتيرة التحول منذ أن اتفقت إيران والسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية في اتفاق توسطت فيه الصين في آذار/مارس. وفيما يلي مسار تشكل التفاهمات:
* حراك جديد
ما زال برنامج إيران النووي مصدرا للتوتر، ويتصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الى جانب اندلاع صراع جديد في السودان.
ويُنظر إلى التوجه على أنه انعكاس لجهود تعزيز التنمية الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية في وقت يشكك فيه حلفاء الولايات المتحدة في مدى التزام واشنطن طويل الأجل تجاه المنطقة على الرغم من التطمينات التي تقدمها. ويأتي أيضا في وقت تسعى فيه قوى أخرى، وتحديدا الصين، لتوسيع نفودها.
وقال ولي نصر من كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن: "يحاول العرب والإيرانيون والأتراك إنشاء منطقة رمادية يمكنهم فيها التعايش معا، بدلا من منطقة فيها أسود وأبيض فقط".
وأضاف أن بعض حلفاء الولايات المتحدة خلصوا إلى أن مصالحهم لا يخدمها شرق أوسط شديد الاستقطاب، موضحا أن "هناك حراكا في المنطقة يدفع الجميع نحو الوسط".
* السعودية-إيران
اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات في صفقة توسطت فيها الصين. وقد ينزع الاتفاق فتيل توترات وصراعات منها حرب اليمن.
وتبرز الصفقة رغبة السعودية في الأمن في وقت يركز فيه ولي العهد محمد بن سلمان على توسيع وتنويع الاقتصاد. ولجأت السعودية إلى الصين في وقت يتوتر فيه تحالفها مع الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تقيد فيه العقوبات الأميركية اقتصادها، تسعى إيران إلى تقويض الجهود الغربية لعزلها. والصين شريك تجاري كبير لكل من السعودية وإيران.
* الإمارات-إيران
بدافع من مصالحها الاقتصادية التي تعتمد على سمعتها كملاذ آمن للأعمال، تحركت الإمارات للتواصل مع طهران في عام 2019، وطورت العلاقات الدبلوماسية معها في آب/أغسطس. وعينت إيران سفيرا في دولة الإمارات لأول مرة منذ عام 2016.
* تركيا-السعودية ومصر والإمارات
توترت العلاقات بين تركيا والسعودية ومصر والإمارات بعد انتفاضات عام 2011 حين دعمت تركيا الإسلاميين الذين شكلوا تحديا لشكل الحكم في دول الربيع العربي.
ودشنت تركيا حملة دبلوماسية في 2021 تمخضت عنها زيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت أزمة عميقة للاقتصاد التركي. ووافقت السعودية في آذار/مارس على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وتتحسن العلاقات أيضا بين مصر وتركيا التي عارضت إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013. وفي آذار/مارس، زار وزير الخارجية التركي القاهرة للمرة الأولى منذ عقد.
وتجلى تحسن العلاقات بوضوح في ليبيا التي تدعم فيها تركيا حكومة طرابلس بينما تدعم مصر والإمارات الفصائل المتمركزة في الشرق. ويقول دبلوماسيون إن العلاقات الدافئة جعلت من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار.
*قطر-الإمارات ومصر والسعودية
قطعت مصر والإمارات والبحرين والسعودية العلاقات مع قطر في 2017 متهمة إياها بدعم الإرهاب، في إشارة عامة إلى الحركات الإسلامية، وهو الاتهام الذي نفته الدوحة.
وتولت السعودية زمام المبادرة في إعادة بناء العلاقات في 2021، معلنة إنهاء مقاطعة قطر. وعينت الرياض والقاهرة سفيرين، بينما لم تقدم أبو ظبي والمنامة بعد على هذه الخطوة. وأعادت جميع هذه الدول باستثناء البحرين روابط السفر والتجارة.
* إسرائيل-الإمارات والبحرين والمغرب والسودان
تعززت علاقات إسرائيل مع العالم العربي كثيرا في 2020 بفضل ما أُطلق عليه "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي توسطت فيها الولايات المتحدة. وكانت الإمارات والبحرين أول من قام بتطبيع العلاقات نتيجة القلق من إيران وتبعهما المغرب.
وأعلن السودان وإسرائيل التوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات في شباط/فبراير. لكن مصير الاتفاق الذي كان من المقرر توقيعه بعد نقل السلطة من الجيش إلى الحكومة المدنية أصبح موضع شك بسبب الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتأمل إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع السعودية أيضا.
وصحيح أن الرياض أبدت دعمها الضمني للاتفاقيات الإبراهيمية بسماحها لشركات طيران إسرائيلية بالتحليق في مجالها الجوي، لكنها تقول إن أي تطبيع سيتطلب تقدما في سعي الفلسطينيين المتعثر منذ فترة طويلة لإقامة دولة.
واستأنفت تركيا وإسرائيل العلاقات أيضا في العام الماضي بعد توتر لأكثر من عقد.
* الحكومة السورية-الدول العربية وتركيا
أعادت الدول العربية، التي دعمت في السابق المعارضين المسلحين المناهضين للأسد، العلاقات مع دمشق على الرغم من اعتراضات واشنطن.
وأخذت الإمارات زمام المبادرة بزيارة وزير خارجيتها لدمشق في 2021. وتسارعت العملية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في شباط/فبراير، وتدفق الدعم العربي، وازدادت الوتيرة بعد الاتفاق الذي أعاد العلاقات السعودية الإيرانية.
وبعد الزلزال، زار وزيرا خارجية الأردن ومصر دمشق لأول مرة منذ بدء الحرب. وزار وزير الخارجية السعودي دمشق في نيسان/أبريل.
ويقول محللون إن الدوافع وراء التقارب تشمل محاولة مواجهة نفوذ إيران الذي ساعد الأسد على استعادة معظم مناطق سوريا. وتريد الدول العربية من الأسد منع إنتاج وتصدير المخدرات من سوريا إلى جميع أنحاء المنطقة.
وأعادت تركيا التي تدعم المعارضين المسلحين السوريين منذ فترة طويلة الاتصالات مع الأسد بتشجيع من روسيا. ورفض الأسد أي لقاء مع أردوغان ما لم تنسحب القوات التركية من شمال سوريا.
رويترز