شدّد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على أن "وضع لبنان في الوقت الراهن غير سليم، جرّاء الأزمة المستمرة منذ سبع سنوات، في ظل التخبط والفوضى المالية والإقتصادية الكبيرة".
وفي حوار مع "اندبندنت التركي"، لفت جعجع إلى "عدم قدرتنا على إجراء انتخابات رئاسية بسبب تعطيل فريق الممانعة الجلسات، فحين يدعو الرئيس نبيه بري إلى جلسة تكون فلكلورية لأنّه من المستحيل أن ينال أحد المرشحين ثلثي الأصوات من الدورة الأولى، ومع الأسف فشلت نحو 12 جلسة إنتخابية، ورغم تفاقم الأزمة في لبنان، لا قدرة على إجراء هذا الإستحقاق بسبب "محور الممانعة"، الذي يريد إمّا إيصال مرشحه أو يعطل الجلسات الإنتخابية، وهذا فعل غير ديمقراطي على الإطلاق".
وأوضح أنّ "محور الممانعة خرج من الإنتخابات أضعف مما كان، لكن ما يعرقلنا هو رفض نحو 20 نائبًا في مجلس النواب الدخول في المواجهة معنا، تحت مسمى أنّهم خارج الإصطفافات، في وقت هناك مواجهة وطنية واضحة، لذلك ما يؤخرنا للوصول إلى نتائج فعلية على الرغم من صمود المعارضة وخوضها لمعركة رئاسة الجمهورية بأفضل ما يكون منذ نحو سنة وحتى الآن، هم الـ20 نائبا الذين يقفون في الوسط فيما عليهم واجب الإصطفاف مع الحقيقة. ونحن كمعارضة وكقوات لبنانية مستمرون حتى النهاية في المواجهة الطويلة والقوية لأنه يجب الوصول الى تغيير اليد التي تتمسك بالسلطة".
وعن إمكان توجيه رسالة منه إلى "حزب الله"، قال جعجع: "لن أوجه نداء لحزب الله لأنّه حزب إيديولوجي ببعد سماوي والأمور عنده محددة بشكل كامل وشامل ونهائي، ومن غير المعقول أن يغير أي شيء لأنّ له سكة مرسومة من الأزل الى الأبد، لكن أوجه رسالة إلى الـ20 نائبًا لأقول لهم إنّ هذه المواجهة مواجهتكم من أجل الذين انتخبوكم لتحسنوا أوضاعهم، ولا يمكنكم تجنب الصراع فالتاريخ قائم عليه، وإذا ثمة ما يمكن فعله لإنقاذ الوضع ولم نفعله اقترحوه علينا، وهذا الأمل الوحيد، والخيار اليوم إما حزب الله وحلفاؤه أو مشروع المعارضة".
ذكرى 4 آب
في ذكرى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، اعتبر أنّ "هناك مجموعة مآس كثيرة شهدها لبنان خلال السنوات العشر الماضية، ولكن للأسف أنّه من الصعب تحقيق العدالة لضحايا الإنفجار في الوقت الراهن، بسبب الوضع القائم"، مضيفًا: "لا يجب أن ننسى أنّه إلى جانب الإنفجار، لم يعد هناك صورة لدولة لبنان في الخارج، وانهارت عملتنا الوطنية، وكل هذه الأمور مآس تدخل إلى كل بيت".
ورأى أنّ "الضحايا الذين سقطوا ليسوا فقط الذين فقدوا أرواحهم، بل هناك أيضًا 4 ملايين لبناني شهداء، وهناك 70 مليار دولار اختفوا من الأموال العامة وأموال المودعين وأموال المصرف المركزي والمصارف ككل، واللائحة تطول".
وتابع: "السلطة الحاكمة في لبنان غير قادرة على إجراء تحقيق مستقل في التفجير. وقال: "منذ اللحظة الأولى وبعدما تم الحديث عن تحقيق خلال 5 أيام، لجأنا فورًا إلى لجنة تقصي حقائق دولية، لأنّ لا ثقة لنا بالسلطة الحاكمة التي بات معظم القضاء من أتباعها، علما أنه يبقى هناك قضاة "منيح" كالقاضي طارق البيطار، وبالتالي أدركنا أنه حين يتقدم التحقيق بشكل جدي ستتدخل السلطة لعرقلته، ولهذا السبب طالبنا بلجنة تقصي حقائق دولية. منذ اللحظة الأولى مكتب القوات اللبنانية في واشنطن تواصل مع الإدارة الأميركية، كما تواصل مكتب نيويورك مع الدول الـ 5 الأعضاء في مجلس الأمن، أمّا جهاز العلاقات الخارجية في لبنان فقام بجولات متعددة على سفارات الدول الـ5 الأعضاء في مجلس الأمن، للمطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية من الأمين العام للأمم المتحدة".
وأكّد جعجع "وجوب قيام الدولة لتحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، ما نعمل عليه بشكل أساسي"، مشدّدًا على "ضرورة تغيير الطغمة الحاكمة الحالية، التي قوامها حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحر، الذي تمايز في التحقيق بانفجار المرفأ إلاّ أنّه جزء من السلطة القائمة، لأن لا عدالة في أي أمر في حال بقيت هذه السلطة". وعزا إلى أنّه لما كان قد وقع هذا الإنفجار في الرابع من آب لو كان تبوأ سدة الرئاسة "لأن الامور في الدولة كانت ستسير كما يجب".
إيران والسعودية
وعن التوافقات الإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط أخيرًا خصوصًا إتفاق المملكة العربية السعودية مع إيران، قال: "بخلاف الإطار العام لا أرى أن هناك توافقات إقليمية ملموسة، وكل ما حصل خلال الأشهر الستة الماضية هو نوع من تبريد الأجواء ولا سيما بين المملكة العربية السعودية وإيران، حتى أن التطورات في اليمن اقتصرت على توقف نسبي لإطلاق النار ليس أكثر، ولا أعتقد أن هناك اتفاقًا شاملاً بين الطرفين ،كما أنّ إيران لا تزال تمول وتسلح حزب الله المستمر في مشروعه، والحقيقة أنّ السعودية لم تغير وجهة نظرها في لبنان، وما زالت تعارض أن يكون المرشح الرئاسي من جماعة حزب الله، باعتبار أنّها تريد رئيسًا يعكف على بناء الدولة اللبنانية. أمّا مشاركة رئيس النظام السوري في القمة العربية - جدة، فلم تبدل شيئا، وهو مستمر في عزلة سياسية ويواصل تجارة الكبتاغون والمواد المخدرة وبالتالي لا أرى تفاهمات إقليمية حقيقية انعكست ايجابا على البلد".
وأشار إلى أنّ "المشهد السياسي العام حاليًا في لبنان هو عبارة عن صراع سياسي بين فريقين، الأول هو "محور الممانعة"، فيما الثاني يمثل جميع الأطراف الأخرى وهي كثيرة. الوضع لم يستقر منذ ثلاثة إلى أربعة عقود ماضية، وبالتالي فإنّ طريقة تركيب السلطة والدولة تحتاج إلى إعادة نظر عميقة، فلا أحد من هذه الأطراف قادر على إدارة مشروع بمفرده، لأنّ هذه القضية تخص جميع اللبنانيين".
وأشار جعجع إلى أنّ "الشريك السني موجود بقوة في السلطة اللبنانية من خلال أحزاب وشخصيات عدّة، وهو شريك أساسي في الوطن لا يمكن تجاوزه، فزعامة السنة كانت لدى رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، أكبر حتى من لبنان، لذا لا يمكن نكران الثقل السني في البلد".
سوريا
كما نفى "وجود قرار سوري مستقل للدولة السورية، على خلفية أنّ هذا القرار يصدر من روسيا أو من إيران". واستبعد "أي تطور في العلاقات التركية- السورية."
وأضاف: "لا يمكننا نكران وجود القضية السورية التي بدأت منذ 2011، وهي مستمرة بدون حل، علمًا أنّ الحل الوحيد يكمن في تطبيق القرار الأممي 2245، ولا أعتقد أنّ هناك عودة حقيقية للنّظام السوري إلى الحضن العربي، وكل ما يجري هو عبارة عن مجموعة خطوات متفرقة لا معنى ملموس لها، والدليل أنّ عودة علاقات بعض الدول العربية مع دمشق منذ عدة سنوات، لم تسفر أي نتيجة ايجابية، لا بل زادت من تردي الوضع الإقتصادي في سوريا. إلاّ أنّني لا أعتقد أنّ التطبيع مع النظام السوري مفتاح للتطبيع العربي مع إسرائيل، وبرأيي الدول العربية التي تريد إقامة علاقات مع إسرائيل فقد أقامتها، والدول التي طبعت مع إسرائيل أعتقد أنّها تعمل اليوم على مراجعة حساباتها بسبب الإحراجات والإستفزازات، التي تقوم بها هذه الأخيرة خصوصا الأحداث التي حصلت مؤخرا في الضفة الغربية. أمّا على الصعيد الإقليمي فإنّ القرار الاستراتيجي في دمشق يخرج من موسكو وطهران، بينما القرار الاستراتيجي في بغداد يعود إلى إيران".
ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل
وأوضح جعجع أنّ "أسباب الترسيم البحري للحدود الإسرائيلية اللبنانية حصل لأسباب اقتصادية مالية مباشرة، أمّا الترسيم البري فهو ليس بالأمر الغريب، وأعتقد أنّ ما يحصل اليوم في الجنوب اللبناني هو مقدمة لأحداث عسكرية ربما تكون أكبر من لبنان". ولفت إلى أنّ "الوضع الإقتصادي اللبناني السيء طيلة السنوات الأربع الأخيرة، انعكس سلبا على حزب الله، وأتى تأثيره على بيئة الحزب أكبر من تأثيره على البيئات اللبنانية الأخرى بخلاف بعض التوقعات، فوجد حزب الله أن المخرج يكمن في ترسيم الحدود البحرية، سيما أنّه لا يرغب بالتعامل مع صندوق النقد الدولي أو مع المؤسسات الدولية، وأراد الاستفادة ماديا من النفط الموجود في البلوكات 9 و 2، واستخراج النفط منها، يحتاج إلى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهذا الأمر قد يخفف الضغط المادي على حزب الله. وما نشهده على الحدود البرية هو نوع من التصعيد بين إسرائيل وإيران، وكأنه استعداد لتدخل حزب الله في أي صراع بين طهران وتل أبيب".
كما اعتبر رئيس القوات أنّ "إيران لم تغير من استراتيجيتها، سواء في لبنان أو العراق أم سوريا، ناهيك عن أنني لم ألمس خلال الأشهر الماضية أي تغيير للسياسة الإيرانية في المنطقة، حتى في اليمن لم تتخل، حتى الآن، عن الحوثيين".
وتابع إنّ "قرار الجزء الأكبر من القضايا اللبنانية الداخلية يعود إلى حزب الله، فيما قرار القضايا الاستراتيجية فهو بيد إيران، وحزب الله يعد موظفا صغيرا بالقضايا الاستراتيجية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هو لا يعرف شيئا عن الملف النووي الإيراني."
وعن الصراع العالمي المتعدد الأقطاب، خصوصًا بين محور الصين وروسيا ومحور الغرب والولايات المتحدة، رأى جعجع "أنّ التغيير الوحيد تمثل في حلول الصين مكان روسيا، وما زال العالم متعدد الأقطاب، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن حاليًا روسيا تتجه إلى مزيد من الضعف، في الوقت الذي تذهب الصين نحو المزيد من القوة، لكن أميركا بقيت أميركا، فمثلاً كونت كل من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والفلبين وسواها محور مضاد في التوترات التي حصلت في بحر الصين الجنوبي، وبالتالي لا تغيير جذري عما قبل." واستطرد "الصين تعد حاليا القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة، ولا يعرف ما إذا كانت ستتغلب بالقوة الاقتصادية على الأخيرة، لكن في الوقت الراهن لا تستطيع أن تسابقها، ورغم ذلك هناك انحسار جزئي للولايات المتحدة في المنطقة وفي المقابل لديها تقدم جزئي، لكن هذا لا يؤثر على موازين القوى ككل، وكما نلاحظ فإن الأميركيين يعززون اليوم وجودهم العسكري في المنطقة من خلال تعاون عسكري مع السعودية ومناورات عسكرية مشتركة مع مصر وغير ذلك، وهذه حركة مد وجزر".
ولجهة السّياسة الأميركية تجاه سوريا، يعتقد جعجع أنّ "الولايات المتحدة مصرة على تطبيق القرار 2254 المتعلق بالملف السوري، وهم باقون في الأراضي السورية مع القوات المحلية طالما أن هذا القرار لم يطبق بعد، وهناك نحو 35% من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، والقوات الأميركية حريصة على الحفاظ على هذا التوازن خصوصا أن كلفته العسكرية قليلة، نحو 900 جندي أميركي في سوريا".
حول الحرب الروسية الأوكرانية، علّق جعجع "ستطول، لأن الجميع انزلق في هذه الحرب، فليس بإمكان روسيا التراجع، كما الغرب لن يمنح روسيا ما تريد، وبالتالي لا مخرج لهذه الأزمة".
تركيا
قال رئيس القوات إنّ "التغيرات في السياسة الخارجية التركية واضحة خلال السنوات القليلة الماضية، فحسب ما يبدو، كان هناك مشروع يشمل ليبيا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط لكنهّ انحسر، بعد أن تبين للقيادة التركية أنّه مكلف اقتصاديًا على الدولة، لذلك عدلت من سياستها، ولا سيما بين تركيا ومصر، وتركيا والسعودية. أمّا الآن فالأمور تتجه نحو الأفضل بين تركيا وجيرانها العرب، رغم وجود خلافات كقضية شرق المتوسط، والطموحات التركية التي ربما لا يستطيع الاقتصاد التركي تحملها، فهو يتحمل السياسة التركية الحالية التي تتبعها".
وأعرب عن أسفه حيال الأصوات التي تطالب الرئيس أردوغان بلقاء بشار الأسد الذي يضع شروطًا للقاء رئيس تركيا، مثل انسحاب الجيش التركي من شمالي سوريا، والكل يعي أنّ الجيش التركي سوف ينسحب يوما ما، لكن ضمن جدول زمني وحل سياسي".
وختم جعجع قائلاً: "من الصعب التخلي عن الشعب السوري الذي يتعرض للويلات والمآسي، وبالتالي يجب أن يكون أي لقاء مع الأسد مشروطًا، وأعتقد أنّ الإنسحاب التركي من سوريا مستحيل قبل الحل السياسي".
وفي وقت سابق، كان قد أشار جعجع، إلى أنّ الأكثريّة الحكوميّة الحاليّة تسعى، بكلّ الوسائل، إلى تغطية مصاريف الدولة من خلال إستخدام الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، ولو أن هذا المسعى هو في الإتجاه الخاطئ تمامًا، لأنّ الإحتياطي الإلزامي مكوّن ممّا تبقّى من ودائع الناس، في الوقت الذي يجب على الأكثرية الوزارية الحالية أن تطلب من وزير المالية، وهو من صفوفها، جباية الضرائب والرسوم على أنواعها (مطار، مرفأ، كهرباء…)، كما التخلُّص من التهرّب الضريبي الذي وحده يقدّر بحوالي مليار دولار سنويًّا، فضلًا عن ضبط التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية.
وأضاف جعجع في بيان: "بدل من أن تستسهل هذه الأكثرية الحكومية مدّ اليد على أموال المودعين، كما فعلت في كلّ المراحل السابقة، عليها أن تمارس أبسط واجباتها بجباية الضرائب والرسوم (كما يجب)، وهذا وحده كفيل بحل الأزمة المالية".