لن يكون اللبنانيون في حاجة الى منجّمين ليتنبّأوا بما ستنتهي إليه المبادرات الحوارية. فالواقع الداخلي المنقلب والمنقسم على ذاته، والمفروز بين مكوّنات سياسية تعاكسها، وأخرى تعتبرها فرصةً أخيرة لبلورة حل رئاسي، حَسَم فشلها مسبقاً. الاّ إذا حدثت معجزة خالفت كل التوقعات، وكسرت منطق التعطيل، وجرّت المعطّلين رغماً عنهم إلى صندوقة الاقتراع الرئاسية، وهذا ما باتت تتمنّاه الأكثرية السّاحقة من اللبنانيين الرافضين أن يُختزَلوا أو يُصادَروا من قِبل مكوّنات او أحزاب أو حالات نيابيّة مراهقة، باحثة عن موقع ودور، ولا تستحوذ حتى على مرقد عنزة في عالم السياسة.
الأسبوع المقبل هو اسبوع مفصلي، حيث يشكّل محطة الحسم التي ستتحدّد خلالها الوجهة النهائية لمسار الأزمة الرئاسية، إن في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، أو في الاتجاه الذي يُسقط في أيدي الجميع، ويُخضع لبنان واللبنانيين لسيناريوهات ما فوق الكارثية، تلوح في الأفق.
على انّ الأجواء السائدة داخلياً، بتناقضاتها العميقة، ورؤاها المتصادمة، لا تشجّع على افتراض إيجابيات او اختراقات في الجدار الحواري او الرئاسي. وفي هذه الأجواء، سيدخل لودريان الاسبوع المقبل، مرّة جديدة الى مسرح العبث السياسي، وثمة من افترض انّه سيقارع أبطال الرواية الرئاسية، لعلّه يكسب الرهان ويزيل العوائق من أمام ما سمّاها العملية الحوارية التي يسعى لاطلاقها. الاّ انّ للمطلعين من كثب على جوهر مهمّته وما يحمله معه رأياً آخر، حيث يعتبرون انّ من السذاجة الاعتقاد أنّ مهمّته مفروشة بالآمال، والمعلومات الموثوقة التي في حوزتهم تؤكّد انّ الرجل ليس آتياً بعصا سحرية، بل لا يملك اكثر من أجوبة متناقضة تلقّاها على رسالته إلى الاطراف النيابية، سيكرّر في ضوئها تمنياته على تلك الاطراف للدخول في حوار رئاسي، وبالتالي فإنّ مهمّته على أهميتها بالنسبة اليه، لا تتسمّ بصفة الإلزام لأي طرف بالانصياع لها والتجاوب مع الهدف الذي ترمي اليه.
وبحسب هذه المعلومات، فإنّ الحوار الشامل الذي يريده لودريان مستبعد، كما انّ المبادرة الى الدعوة الى حوار بمن حضر، اكثر من مستبعدة، وذلك ربطاً بالمواقف الاعتراضية التي اعلنتها بعض الاطراف، وتحديداً "القوات اللبنانية" وبعض الأطراف السياسية والنيابية المنضوية تحت ما يُسمّى العنوان السيادي، وكذلك التحفّظات والاشتراطات التي أبدتها اطراف اخرى مثل "التيار الوطني الحر"، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفرض أن يعتمد لودريان مساراً حوارياً آخر، بحيث قد يتدرّج من الحوار الشامل إلى حوارات ثنائية مع جميع الأطراف، لن تخرج بالتأكيد بما يحقق الغاية المنشودة من مهمّة لودريان.
وعلى الرغم من هذه الصورة التشاؤمية التي تفترض الفشل المسبق لمهمّة لودريان، فإنّ مصادر سياسيّة مسؤولة تتريث في إبداء موقف حاسم، وإن كانت في طيات موقفها تضع هذا الفشل كأقوى الاحتمالات. وقالت لـ"الجمهورية": "صحيح انّ مواقف بعض الاطراف لا تبشّر، ولكن ما علينا سوى ان ننتظر ما سيطرحه لودريان، فأنا على يقين انّه لم يأتِ ليفشل، أو ليغادر لبنان خالي الوفاض، والّا لما كان حضر اصلاً، وخصوصاً انّه يلقى دفعاً مباشراً من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، فلا اعتقد انّ هذا الدفع هو في اتجاه الفشل".
ما يسترعي التوقف عنده في هذا السياق، هو ما كشفته مصادر ديبلوماسية، بأنّ اللجنة الخماسيّة تواكب ما وصفتها "مبادرتها" التي يقودها لودريان في بيروت، مشيرة في هذا الصدد الى انّ الملف الرئاسي في لبنان سيكون بنداً اساسياً في اجتماع تعقده اللجنة الخماسية على مستوى وزراء الخارجية على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، وبناءً على ما ستؤول اليه هذه المبادرة في بيروت، ستحدّد خطوتها التالية، حيث انّ نجاحها في تحقيق الغاية المرجوة سيدفع باللجنة الى الثناء على الإيجابية والدفع الى إيجابيات اكبر وتأكيد الاستعداد الكامل للشراكة المباشرة في ما يمكن أن يعجّل بخروج لبنان من أزمته. واما في حال تعثّرها، فستنحى اللجنة في اتجاه رفع يدها نهائياً عن الملف اللبناني، وتحميل الأطراف المعطّلين مسؤولية ما سيتمّ اتخاذه من خطوات وإجراءات قاسية بوتيرة متسارعة وعاجلة بحقهم.