ثمة توقعات بأن يتجاوز عدد المفقودين في إعصار دانيال في درنة وحدها نحو 5 أو 6 آلاف شخص، وهي المدينة الأكثر تضررا في ليبيا. وبحسب رئيس الهلال الأحمر في بنغازي قيس الفاخري، فإن الوادي الذي كان عرضه 300 متر أصبح 600 متر، في حين سقطت أغلب المباني القريبة من الوادي من بينها عمارة الضمان.وأعلنت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان أن أحياء كاملة من مدينة درنة تضم آلاف المواطنين اختفت داخل البحر. أين تقع هذه المدينة التي قيل فيها بعد الاعصار: "ما جرى في المدينة ليس نكبة وإنما كارثة"؟
درنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شمال شرقي ليبيا. يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر. ويشطر المدينة مجرى الوادي إلى شطرين وهذا الوادي يسمى وادي درنة وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا، وفي 2011 بلغ سكان مدينة درنة حوالي 200.000 تقريباً. وهي المركز الإداري لبلدية درنة وقد اشتهرت المدينة بموقعها وبأحراشها الجبلية حيث تسقى بمياه عذبة تتدفق إليها عبر قنوات الساقية من نبعين غزيرين أحدهما يعرف باسم عين البلاد، والثاني باسم عين بومنصور وهذا تنحدر مياهه من ربوة عالية إلى مسيل الوادي يسمى الشلال أو شلال بومنصور.
ولقد تغنى شعراء الفصحى وغير الفصحى بجمال درنة وبخضرتها النامية وظلالها الوارفة وبمائها العذب وهوائها العليل، كما أشادوا بكرم أهلها ورقة طباعهم. وتحدّث كتّاب وسياح عرب وأجانب عن أحيائها وآثارها وسماها بعضهم عروس ليبيا ودرة البحر المتوسط.
ترتبط درنة مع بلدة شحات بطريقين، الأول هو الطريق الرئيسي الداخلي المار بالقبة (وهو جزء من الطريق الساحلي الليبي)، والثاني هو الطريق الساحلي المار ببلدة بسوسة، ورأس الهلال.
التاريخ
بفضل موقعها الجغرافي، تزخر مدينة درنة بتاريخ عريق حافل بالأحداث، فخلال العصر اليوناني وبالذات في الفترة الهيلينستية، أسس الإغريق أربع مدن قرب مدينة درنة والتي كانت تُدعى في تلك الفترة إيراسا والتي انضمت فيما بعد لهذه المدن الأربع لتنشأ مملكة من خمسة مدن مزدهرة والمعروفة ب PETAOS في تلك الفترة.
في فترة الحكم الروماني والبيزنطي تعرضت المدينة لحالة من الركود والانحطاط ما لبثت أن تجاوزتها لتلعب دورا حيويا في الحقبة العثمانية ولا سيما في أوائل القرن السابع عشر في فترة حكم الأسرة القرمنلية، وبرزت خلال ما عرفت باسم حرب السنوات الأربع، حيث هيمنت درنة على كل من مدينة بنغازي والمرج المدينتين الرئيسيتين في تلك الفترة. ظلت درنة مركزا إداريا وتجاريا هاما في فترة حكم الأسرة القرمنلية بفضل مينائها وأراضيها الزراعية الخصبة إضافة لحركة التبادل التجاري، الإداري والثقافي مع المغرب العربي والشرق الأدنى. لا يلاحظ هناك أي بصمات تذكر لبروز المدينة في فترة الاحتلال الإيطالي 1911-1945 ولعل السبب يرجع أولا إلى فترة الاحتلال القصيرة نسبيا، ثانيا المدينة لم تعتبر من المدن الحيوية بقدر ما اعتبرت مركزا للتنقل مما لم يساعد على ظهور نهضة حضرية وثقافية مميزة في المدينة. استطاعت القوات الأسترالية التابعة للبريطانيون من دول الحلفاء السيطرة على درنة من الإيطاليين خلال الحرب العالمية الثانية بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير عام 1941 وذلك في جزء من حملة شمال أفريقيا. ولكن استطاع الألمان النازيون الذين كانوا متحالفين مع الإيطاليين استرداد المدينة من قوات الحلفاء يوم 6نيسان/ أبريل عام 1941، بيد أن البريطانيون تمكنوا من استعادتها من جديد عام 1942.
بعد الثورة الليبية في 2011 استغلت عدة مجموعات مسلحة حالة الفوضى والانفلات الأمني وانهيار سلطة الدولة وغدت تسيطر أمنيا على المدينة. واستطاع مقاتلون ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السيطرة على أجزاء من المدينة عام 2014. وتمكنت ميليشيات مجلس شورى مجاهدي درنة من هزيمة داعش والسيطرة على البلدة عام 2015.
المناخ
يعد مناخ درنة مناخاً شبه قاحل (تبعاً لتصنيف كوبن للمناخ)، ويبلغ معدل هطول الأمطار السنوي فيها حوالي 252 مم.
تتراوح درجات الحرارة خلال فصل الشتاء في المدينة ما بين 9 إلى 20 درجة مئوية. تنخفض قيم معدلات الهطولات المطرية السنوية المعتدلة خلال الفترة من شهر أكتوبر حتى مارس. تتسم فصول الصيف بطولها ودرجات حرارتها المرتفعة لتسجل معدلات أعلى من 27 درجة مئوية خلال الفترة من شهر حزيران/يونيو حتى تشرين الأول/أكتوبر.
مناطق منكوبة
وأعلن المجلس الرئاسي في ليبيا في بيان درنة وشحات والبيضاء في برقة بالشرق مناطق منكوبة بسبب السيول التي اجتاحتها.
وقال في البيان "شعورا منا بالمسؤولية ونظرا للتداعيات الجسيمة للكارثة، نعلن تلك المنطقة منطقة منكوبة ونطلب من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية تقديم المساعدة والدعم".