تتزايد الضغوط على ادارة الرئيس جو بايدن للرد على ايران وحلفائها من جماعة الحوثي لوقف الهجمات في البحر الأحمر، ويحاول خصوم بايدن التحذير من عدم التعامل بحزم مع التهديدات الإيرانية وانعكاسات ذلك على الأمن البحري العالمي.
وحذرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، من وصول التدهور لمرحلة يصبح فيها من الصعب منع اتساع الحرب الإقليمية في ظل الخطر الذي يهدد الملاحة البحرية قرب اليمن، وضغوط "الصقور" في واشنطن من أجل التصعيد، داعية الولايات المتحدة إلى الضغط على الصين لتقوم بدورها بالضغط على إيران لمنع انزلاق الأوضاع إقليمياً.
وبداية، ذكر التقرير البريطاني، أن "العالم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، يشعر بالرعب إزاء القتال المروع بين اسرائيل وغزة، إلا أنه نبّه إلى أن الحرب من الممكن أن تصبح أسوأ بكثير".
وفي هذا الإطار، نوه التقرير، إلى أن "الحوثيين يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة على السفن التجارية والحربية باتجاه جنوب اسرائيل منذ أسابيع، فيما تشعر الأسواق العالمية بالقلق مع تزايد الخطر على الشحن عبر مضيق باب المندب".
واشار الى ان الضغوط تتزايد على ادارة الرئيس جو بايدن للرد لتقوم بالرد على ايران وحلفائها من جماعة الحوثي لوقف الهجمات، بينما يعتقد المؤيدون للرد الاميركي القوي أن ذلك سيردع احتمال وقوع حرب اكبر.
لكن تقرير "الغارديان"، اعتبر أن في حال ذهبت الولايات المتحدة الى ماهو ابعد من ذلك، فقد ينتهي بها الأمر الى الانخراط في حرب هي بحاجة قوية لتجنبها، مضيفا أن اندلاع حريق اكبر سيقود الى كارثة بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل وشعوب المنطقة.
واوضح التقرير ان الحرب الأوسع نطاقا قد تشمل اليمن وسوريا ولبنان والعراق واسرائيل وايران، وانه في حال اندلاعها ستأتي في وقت محفوف بالمخاطر على الامن العالمي حيث تكافح الولايات المتحدة لكي تقدم المزيد من المساعدات لأوكرانيا وادارة التوترات المتصاعدة في شرق آسيا فيما يتعلق بتايوان وبحر الصين الجنوبي.
ولفت التقرير إلى أنه لن يكون بالإمكان تجنب التداعيات الاقليمية والعالمية، وقد تستمر لعقود من الزمن، مما قد يؤدي الى تورط الولايات المتحدة مجددا بصراعات واسعة النطاق في الشرق الأوسط لا يكون بمقدورها تحملها.
وفي إشارة إلى الهجمات المتبادلة بين القوى المدعومة من إيران، وبين القوات الاميركية، نوه التقرير البريطاني، إلى أن الحرب الاقليمية جرى تجنبها حتى الان باعجوبة، مضيفا انه من حسن الحظ، لم تتصاعد هذه الهجمات المحدودة بمستواها، لتتحول إلى صراع أكبر بين ايران واسرائيل والولايات المتحدة.
وتابع تقرير "الغارديان"، بالقول: "يبدو أن حاملتي الطائرات الأميركيتين المتمركزتين الان قبالة السواحل الاسرائيلية، ساهمتا في ردع حزب الله عن شن هجمات واسعة النطاق على اسرائيل من جبهة الشمال، في حين أن ادارة بايدن منعت اسرائيل من القيام بعمليات واسعة النطاق في لبنان. لكن التقرير اعرب عن القلق من ان استمرار مضايقات الحوثيين للشحن عبر البحر الاحمر يشير الى خطر توسيع الحرب.
ورأى التقرير، أنه ليس من المتوقع ان تتمكن البحرية الاميركية من اعتراض كل ما يطلقه الحوثيون من صواريخ وطائرات مسيرة، الى اجل غير مسمى، قال أن المحللين يعتقدون ان الأضرار لحقت بحرية الملاحة بالفعل، الا ان الاكثر اثارة للقلق هو التكاليف الاقتصادية المباشرة التي تتحملها حركة الشحن العالمي وأسعار النفط، مشيرا إلى أنه قبل الأزمة الحالية، فقد كان 12% من التجارة العالمية و30% من شحن الحاويات يمر عبر طريق البحر الاحمر.
ولهذا، رجح التقرير البريطاني، أن تكون هجمات الحوثيين قد فرضت على ادارة بايدن خيارا شديد الصعوبة، موضحا أن التيار اليميني الأميركي، الذي يضع إيران في مرمى نيرانه منذ فترة طويلة، يدعو الولايات المتحدة الى الرد بقوة على ايران، باعتبار أن إظهار القوة من شأنه ردع المزيد من الاستفزازات من جانب الإيرانيين ووكلائهم ويساهم في استقرار المنطقة، مذكرا في هذا السياق بأن مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون اتهم بايدن لأنه "فشل في خلق حتى الحد الادنى من الردع"، داعيا الى توجيه المزيد من الضربات الاميركية، بما في ذلك الهجمات المباشرة على ايران نفسها.
إلا أن "الغارديان"، اعتبرت ان ذلك "سيكون بمثابة مقامرة كبيرة، وانه بدلا من ردع ايران، فان المزيد من الضربات قد تحرض طهران على الهجوم في محاولة لحماية مصالحها وهيبتها أو تحذير الولايات المتحدة من الاستمرار بذلك".
وأضاف التقرير: "في حال ادى الهجوم الإيراني المضاد الى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الاميركيين، فسوف تتعرض واشنطن على الفور لضغوط لكي تنتقم"، محذراً من أن ذلك سيمثل "الطريق نحو حرب إقليمية أوسع نطاقا من شأنها الحاق الضرر الكبير بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة".
وبعدما لفت التقرير، إلى أن البيت الابيض سعى بشكل حكيم الى تجنب هذا الخطر حتى الآن، الا انه اشار الى ان تكاليف الشحن البحري قد ترتفع لدرجة أن القيام بعمل عسكري ضد الحوثيين قد يصبح مسألة لا مفر منها، معتبرا أن الضربات التكتيكية ضد وحدات الحوثيين على الأرض يمكن أن تحد من الأضرار التي تلحق بالاقتصاد العالمي من خلال إضعاف قدرة الحوثيين على شن هجمات.
لكن التقرير رأى أن الضربات الاميركية المحدودة ربما لن تردع ايران عن دعم المزيد من الهجمات التي ينفذها حلفاؤها في أنحاء المنطقة كافة.
ودعا التقرير صناع السياسات الاميركيين الى عدم تجاهل حقيقة مفادها أن هذه تمثل مشكلة عالمية، وليست مشكلة خاصة بالأميركيين وحدهم، إذ ان العديد من الدول الاخرى لها مصلحة كبيرة في حماية تدفق التجارة ويجب أن تشعر بالضغط لاتخاذ إجراءات والمساعدة في حل المشكلة.
وفي هذا الإطار، أوضح التقرير، أن الصين التي تكافح لكي تخرج من ركودها الاقتصادي في مرحلة ما بعد وباء كورونا، قد تخسر الكثير جراء تعرض الشحن التجاري عبر باب المندب لمخاطر اضافية، ولهذا فانه يتحتم على واشنطن وحلفائها في أنحاء العالم كافة الضغط على بكين لاستخدام علاقاتها مع طهران لكي تشجع على ضبط النفس الايراني.
ووفق التقرير، فمن المحتمل وصول الأمور بالنسبة للولايات المتحدة الى مرحلة ضرب الحوثيين في اليمن في حال استمروا بهجماتهم على الشحن العالمي، إلا أن هذه الضربات يجب أن تظل محدودة على المستوى التكتيكي، مضيفاً أن "تاريخ العمليات العسكرية من البوسنة الى كوسوفو وأفغانستان وليبيا يذكّر بأن الضغوط لتوسيع الضربات، تتزايد دائما بمجرد أن تبدأ".
وخلص التقرير إلى أنه "في ظل وضع تتأجج فيه المشاعر بسبب العنف المروع في غزة، وفي ظل حرص الصقور في واشنطن على إيقاد النيران ضد طهران، وفي ظل الاقتصاد العالمي المعرض للمخاطر، فسيكون أكثر صعوبة تحقيق ضبط النفس، وتجنب اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا، والتي ستكون أسوأ ما يمكن بالنسبة للمصالح الأميركية".