بعد السيطرة على نفق تابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في شمال قطاع غزة نزلت مجموعة من الجنود الإسرائيليين إلى النفق وفي أيديهم بعض المعدات الاستثنائية. ولم تكن هذه المعدات متفجرات أو مجسات روبوتية أو مسدسات للقتال المباشر، بل أجهزة راديو عتيقة الطراز ذات قرص لتحريك المؤشر على المحطات.
وتلخصت مهمتهم في النزول حتى تصبح الأجهزة غير قادرة على استقبال إشارات راديو من إسرائيل. ووجدوا أن تلك النقطة كانت على عمق يتراوح بين 10 و12 مترا، وهي عموما "الطوابق" العليا من شبكة أنفاق المسلحين الفلسطينيين.
وأجريت التجربة في الرابع من كانون الثاني/يناير بناء على طلب من وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي الذي كان قد وسع لتوه راديو الجيش الأكثر شعبية في البلاد الذي يبث على الموجات القصيرة (إف.إم) لتبث برامجه على موجات متوسطة (إيه.إم).
والنطاق الأوسع وصولا لموجات (إيه.إم) يعني أن تحديثات الطوارئ ستحظى بفرص أفضل ليسمعها المدنيون في الملاجئ. وستستفيد القوات في غزة أيضا، إذ سُمح لهم بأجهزة راديو ترانزستور حتى يظلوا على اطلاع بينما يُطلب منهم تسليم هواتفهم المحمولة خشية أن تحدد حماس موقعها الجغرافي.
وقال قرعي لرويترز "خطر لي فجأة أن بعض هؤلاء الرهائن ربما كان بوسعهم الوصول إلى أجهزة الراديو الترانزستور... إذا كان لديهم الوسائل لسماع أصوات عائلاتهم، فسيكون لذلك قيمة كبيرة من حيث الروح المعنوية... ولأقاربهم أيضا".
ومن المرجح أن تحتاج هذه المناورة إلى تعاون حماس، وهو احتمال يأمل المبادرون أن يكون في حدود الإمكان.
ولم يتسن على الفور الاتصال بمسؤولي حماس في غزة للتعليق على الفكرة في دليل على تدمير البنية التحتية الفلسطينية في الهجوم الإسرائيلي، فضلا عن إحجامهم عن نشر معلومات عن ظروف الرهائن.
* الوصول إلى أجهزة التلفزيون والراديو
ومن بين عشرات الرهائن الذين أطلق سراحهم في هدنة تشرين الثاني/نوفمبر، قال عدد منهم إن الخاطفين سمحوا لهم بوصول محدود إلى أجهزة التلفزيون أو الراديو.
فقد علمت إحدى الرهينات من الراديو أن زوجها وابنتها اللذين انفصلت عنهما بعد الهجوم ما زالا على قيد الحياة. وبالنسبة لرهينة أخرى، كان البث الإسرائيلي هو أول إخطار بوجود اثنين من أقاربها بين القتلى.
لكن الروايات لم توضح إذا ما كان الرهائن في مكان تحت السطح مباشرة، أو في أنفاق لا تصلها موجات الراديو، أو في منازل آمنة فوق الأرض تستقبل موجات الراديو بانتظام. والأنفاق التي أظهرتها القوات الإسرائيلية المتقدمة في القطاع للصحافيين شملت في بعض الأحيان أنفاقا يبلغ عمقها نحو 10 أمتار.
وردا على سؤال للرد على مبادرة راديو الجيش، قالت الرهينة السابقة نيلي مارغاليت إن جزءا من فترة أسرها قضته على عمق 40 مترا تحت الأرض. وقالت لرويترز إنه "عميق بشدة" ورفضت الإسهاب في مناقشة الأمر مخافة "أن يستخدم الإرهابيون كلماتي لإيذاء الأسرى الذين ما زالوا هناك".
وقال بيتر دوفيت-سميث، المحاضر الفخري في الفيزياء الفلكية في مختبر كافنديش بجامعة كامبريدج، إن أجهزة الراديو الترانزستور ذات الموجات إيه.إم المصممة لاستقبال البث سلبيا، لا يمكن تتبعها بسهولة. لكنه لم يستبعد ذلك.
وأضاف أن معظم هذه الأجهزة تستخدم مذبذبات تصدر إشارات ضعيفة، "ومن الممكن اكتشافها عن بعد باستخدام أجهزة متخصصة. وهذه الإشارات تضعف بسرعة مع زيادة المسافة، خاصة عبر الأرض".
وردا على سؤال عما إذا كان بوسع إسرائيل القيام بمثل هذه العمليات لتحديد المواقع، قال داني زاكين، مدير راديو الجيش "لا نستطيع. إنه (البث الذي يستقبله الراديو) لا يعود. أعني أنه ليس مثل السونار... إنه في اتجاه واحد فقط، للأسف".
* تبديد اليأس
قال قرعي إنه يعلم أنه ليس بوسع إسرائيل أو حماس تتبع الاستقبال السلبي لموجات إيه.أم. ومن هنا جاء الإذن للقوات في غزة باستخدام أجهزة الراديو الترانزستور.
إن درء اليأس أو التمرد بين الرهائن قد يدفع الخاطفين إلى التفكير في المخاطرة باستخدام أجهزة الراديو.
ويحظى تحول راديو الجيش إلى موجات (إيه.إم) بدعم من هيئة إدارة الطوارئ الوطنية التابعة لوزارة الدفاع وأكبر شركة اتصالات في إسرائيل، بيزك. وتقوم المحطة بتسجيل الرسائل مسبقا من قبل عائلات الرهائن لبثها عدة مرات في اليوم.
وقال زاكين "إنهم يقولون لهم... تمسكوا بقوتكم. نحن نقاتل من أجلكم. لا تقلقوا. سنصل إليكم. تمسكوا بقوتكم".
وفي مسيرة في تل أبيب بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الأول لكفير بيباس، أصغر الرهائن، واقترب مراسل راديو الجيش من يوسي شنايدر، أحد أقارب الطفل، وشرح النطاق الجديد لوصول موجات الراديو وطلب تسجيل مقابلة.
وقال شنايدر "إذا كانوا يسمعوننا... نريد أن نقول لكم إن الأهل يحبونكم، ولم ينسكم أحد".
رويترز