لا يتوقف عداد الموت عن الدوران في سوريا على الرغم من مرور 13 عاما على بدء الأزمة في هذا البلد الذي شهد أقسى أنواع القتل والتدمير. وعلى الرغم من الهدوء النسبي للجبهات منذ عام 2018 وتثبيت مناطق السيطرة بين مختلف القوى المتصارعة، إلا أن الموت ما زال يحصد سنويا، أرواح المئات من السوريين الذين يتنازعون للبقاء في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ استقلالها.
في البادية السورية أو ما بات يعرف بـ"الثقب الأسود" يتسبب انفجار الألغام وذخائر مخلّفات الحرب في مقتل روّاد هذه الأراضي المترامية الأطراف من رعاة الأغنام وجامعي فطر الكمأة، الباحثين عن مصدر رزق لهم في هذا الوقت من السنة.
وخلال السنوات الماضية باتت رحلة البحث عن الكمأة في سوريا تنطوي على مخاطر تصل إلى حد الموت للوصول إلى هذه الثمرة التي تنمو على امتداد البادية السورية في أرياف حمص وحماة (وسط) ودير الزور والرقة (شرق)، والبالغة مساحتها نحو 60 ألف كيلومتر مربع.
وبعد أن كان جمع الكمأة متاحا لسكان البادية والمدن والبلدات المتاخمة لها، وعادةً ترافق سقوط الأمطار كل عام، فإن هذا الطقس تأثر بالصراع على النفوذ العسكري بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد.
وبحسب مصادر تعمل في جمع الكمأة، يتطلب البحث عنها وقطفها موافقات أمنية من الجهة التي تسيطر على الأرض، وهي قوات "الدفاع الوطني" الرديفة للقوات الحكومية، والفصائل التابعة لإيران، و "قوات سوريا الديمقراطية".
لكن هذه الموافقات لا تحمي صاحبها من الموت بالألغام الأرضية، أو سلب المال والكمأة في أحسن الأحوال.
ويوضح أن عناصر "داعش" وأعوانه يرصدون المناطق التي تحوي الكمأة، لكسب المحصول والاستيلاء على إنتاجه، تماما كما فعلوا سابقا مع مصادر الطاقة التي استولوا عليها كآبار النفط والغاز.
ويقدر مقصود أعداد المدنيين الذين سقطوا في رحلة البحث عن الثمرة منذ العام الماضي حتى الآن بأكثر من 170 قتيلا، وفق تقرير أعدته "ارم".