تسلّم مجلس شورى الدّولة لائحة جوابيّة من محامي مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان رداً على طعن في تمديد ولاية المفتي قدّمه خمسة مشايخ. ورأت الدار أن الشورى ليس الجهة الصالحة للنظر في المراجعة، لأن قراراتها بمنزلة النص التشريعي وهي من اختصاص المجلس الدستوري وفق ما ورد في "الأخبار".
قبل انقضاء المهلة القانونيّة (4 أشهر) لدار الفتوى للرد على المراجعة التي قدّمها خمسة مشايخ أمام مجلس شورى الدّولة للطعن في قرار المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى بالتمديد لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق، في 9 أيلول الماضي، تقدّم عضو المجلس الشرعي نقيب المحامين السابق في الشمال محمّد المراد، بوكالته عن دريان، بلائحة جوابيّة إلى الشورى، طالباً رد المراجعة لعدم الاختصاص، باعتبار أن النصوص الصادرة عن السلطات الطائفيّة بمنزلة النصوص التشريعية التي تخضع لاختصاص المجلس الدستوري لا الشورى. واللافت أن محامي دار الفتوى التي تمنّعت سابقاً عن تسليم المستندات المتعلّقة بجلسة التمديد إلى الجهة المستدعية، لم يدخل في تفاصيل الملف أو يقدّم مستندات إضافيّة عن جلسة التمديد.
وكان مقدّمو المراجعة (القاضي عبد العزيز الشافعي والقاضي همام الشعار والمشايخ جميل العيتاني ومحمّد تميم وإبراهيم بيضون) استندوا إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الدار لتفنيد الثغرات القانونيّة التي تضمّنتها جلسة التمديد، ومنها بطلان الجلسة لعدم اكتمال النصاب (حضور 26 عضواً وغياب 12) وعدم حصول تصويت برفع الأيدي أو كتابةً، وبالتالي عدم قانونيّة القرارات الصادرة بنتيجتها، إضافة إلى تجاوز حد السلطة بتشريع أنظمة خارج الدورة التشريعيّة، ومناقشة جدول أعمالها عبر تطبيق واتساب، خلافاً للأصول القانونية. وقرّر هؤلاء اللجوء إلى مجلس شورى الدولة باعتباره الجهة الصالحة استناداً إلى البند 2 من المادة 108 من قانون الشورى التي أوجبت إبطال القرارات المشوبة بعيْب مخالفة الأعمال الإدارية إذا اتخذت خلافاً للمعاملات الجوهريّة المنصوص عليها في القوانين والأنظمة، لافتين إلى توصيف القرار المطعون به وخضوعه لرقابة القضاء الإداري واختصاص مجلس الشورى في الرقابة على المراسيم الاشتراعية، إذ إن التدابير الصادرة عن المجلس الشرعي هي أعمال إداريّة بمفهوم المادتين 67 و105 من نظام الشورى، وتقبل الطعن بطريق الإبطال.
في اللائحة الجوابية، دعا المراد الشورى إلى رد المراجعة لعدم الصلاحيّة باعتبار المراجعة طعناً في نصوص لها قوّة القانون بمقتضى القانون 1956، وعملاً بأحكام المادّة 105 من نظام مجلس شورى الدوّلة. ولفت إلى أنّ المرسوم 18/1955 (الذي ينظم شؤون دار الفتوى) صدر بالاستناد إلى القانون الصادر عام 1956 ويندرج في إطار التفويض الذي منحته السّلطة التشريعيّة للمجلس الشرعي، والنظر في النصوص ذات الصفة التشريعيّة يخرج عن صلاحيّة مجلس شورى الدولة، باعتبار أن المجلس الدستوري يتولّى الرقابة على دستوريّة القوانين وسائر النصوص التي لها قوّة القانون ومنها النصوص الصادرة عن السلطات الطائفيّة كالنصوص الصادرة عن المجلس الشرعي بمقتضى القانون 1946. ورأى المراد أنّ القرار المطلوب الرجوع عنه (التمديد) صدر استناداً إلى القانون الصادر بتاريخ 28/5/1956 المتعلّق بالإجازة للمجلس الشرعي تعديل المرسوم الاشتراعي رقم 18/1955 والذي أجاز للمجلس أن يعيد النظر في جميع أحكام المرسوم المذكور، وأن يُعدّل ما يراه ضرورياً منها، وتكون قراراته في هذا الصدد وكل ما يتعلّق بالإفتاء وتنظيم الطائفة الدينية وإدارة أوقافها نافذة بذاتها، على أن لا تتعارض مع أحكام القوانين المتعلقة بالانتظام العام.
واستندت اللائحة الجوابية إلى التعديلات التي قام بها المجلس على مدار السنوات السابقة وآخرها عام 2020، ومواد قانونية ودستورية تشدّد على أن المسلمين السنيّين مستقلون استقلالاً تاماً في شؤونهم الدينية وأوقافهم الخيرية التي يتولون تشريع أنظمتها. كما استندت إلى دراساتٍ أعدّتها أكثر من مرجعيّة قانونية، من بينها مقالاتٍ منشورة للقضاة خالد قباني وأنطوان مسرة وبيار غناجة، وكتاب صادر عام 1973 لادمون رباط جاء فيه أن أهم وأخطر ما تضمّنه القانون الأساسي الخاص بالطائفة السنية هو قدرتها على تعديل هذا القانون بمجرّد إرادتها ومن دون اللجوء إلى الدولة للاستحصال على مصادقتها.
استقلاليّة المؤسسة الدينية؟
خُلاصة اللائحة الجوابية، كما يوضحها المراد لـ "الأخبار"، أن تعديل أحد بنود المرسوم 18 عبر تمديد ولاية مفتي الجمهورية ومفتي المناطق ليس قراراً إدارياً، بل مسألة تشريعيّة بعدما أعطت القوانين لقرارات المجلس الشرعي منزلة لا ترقى إلى قانون وإنّما إلى منزلة النص التشريعي، والرقابة على هذه النصوص من اختصاص المجلس الدستوري. وهو أيضاً ما يؤكّده الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي، وسام اللحام مشيراً إلى أن القانون 25/5/1956 منح الهيئة المختصة بإدارة شؤون الطائفة السنيّة صلاحيّة تعديل المرسوم الاشتراعي من دون الرجوع إلى مجلس النواب، أي إنّه منحها تفويضاً تشريعياً. ويؤيد اللحام نظريّة المراد بشأن صلاحيات المجلس الشرعي وعدم اعتبار قراراته بمنزلة القرارات الإدارية، إلا أنّه يلفت إلى أنّ من صلاحيات الشورى درس شكل القرار، بغض النظر عن التفويض التشريعي الممنوح للمجلس الشرعي، في حال تبيّن وجود ثغرات شكلية في الآلية القانونيّة لاتّخاذ القرار، كفقدان النصاب والأكثريّة.
وكان لافتاً تضمين اللائحة الجوابية بياناً صادراً عن قضاة الشرع لدى المحاكم الشرعيّة السنية حول رفض الطّعن بالتمديد، باعتباره مَلزمة تأييديّة تؤكد على صلاحيات المجلس الشرعي وعدم رغبة القضاة الشرعيين في التفريط بها، والإجماع حول قرار التمديد. علماً أنه أثيرت حول البيان في حينه اتهامات ومزاعم عن تدخّل دريان ورئيس المحاكم الشيخ محمد عساف للضغط على القضاة لتوقيعه، وعن تعرّض البعض للتهديد بنقلهم إلى أماكن بعيدة في حال عدم التوقيع.
هل ترد الدولة؟
في الخلاصة، ينتظر الطرفان قرار الشورى الذي لم يُعيّن حتّى الآن مستشاراً مقرراً للنظر في القضيّة. كما يفترض أيضاً أن يتسلّم المجلس رداً من الجهة المستدعية على اللائحة الجوابيّة، إضافة إلى ردٍ من الدولة اللبنانية - رئاسة مجلس الوزراء ممثلةً بهيئة القضايا في وزارة العدل باعتبارها مستدعى ضدّها. إلا أنه لم يُعرف ما إذا كانت الدولة ستردّ، لمُشارفة المهلة القانونية على الانقضاء، في ظلّ ما يتردد عن رفض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الدّخول على خط الأزمة، لكوْن المفتي والمقربين منه لم يضعوه في أجواء خطّتهم للتمديد، ما أدّى إلى تغيّبه عن جلسة التمديد على غرار رؤساء الحكومات السابقين الذين اعترضوا للسبب عينه.
ازدواجية معايير بين دريان وقباني
أظهرت اللائحة الجوابية التي تقدّم بها المحامي محمّد المراد، بوكالته عن مفتي الجمهوريّة، إلى مجلس شورى الدّولة بما خص الطعن في التمديد لدريان ازدواجية المعايير لدى بعض القانونيين.
ففي عزّ الخلاف بين مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمّد رشيد قباني والمجلس الشرعي، كان الشورى واحداً من أهم الأسلحة التي استخدمها ضد خصوم قباني ضده، وعلى رأسهم المراد الذي نوّه بأحد قرارات الشورى خلال حديث صحافي في حينه، معتبراً أنه أرسى قاعدة أساسية في مفهوم رقابة القضاء على القرارات الإدارية والتنظيمية لدار الفتوى باعتبارها مؤسسة عامة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء. كما كان المراد واحداً ممن تقدّموا بمطالعة قانونيّة بالنيابة عن 21 عضواً من أعضاء الشورى للطعن في دعوة قباني إلى إجراء انتخابات المجلس الشرعي، وكان دريان واحداً من هؤلاء الأعضاء الـ21. كما شارك المراد في الدعوى التي أقيمت ضد المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة أمام النيابة العامّة بأكثر من جرم، ومن بينها تعمّده إصدار قرارات ومواقف للإيحاء بأن القرارات القانونية التي يصدرها مجلس شورى الدولة غير ملزمة. نتيجة هذه الازدواجية، وزّع قباني بياناً على واتساب أخيراً، مستذكراً تلك الحقبة، لافتاً إلى ضغط رؤساء الحكومات على الشورى في حينه لإبطال قرارات المفتي.
في المقابل، يؤكد المراد الاختلاف بين الحقبتين اختلافاً كلياً، لافتاً إلى أنّ اللجوء إلى الشورى في حينه كان للطعن في قرارات إدارية بحتة بشأن تعيينات كان يُصدرها مفتي الجمهوريّة، وليس بشأن تشريعات صادرة عن المجلس الشرعي بحسب "الأخبار".