توقّع البنك الدولي في تقريره عن "آفاق الفقر في لبنان" أن تسجّل البلاد انكماشًا إقتصاديًّا بنسبة 0.2 في المئة في العام 2023 بعدما كان قد انكمش الإقتصاد اللبناني بنسبة 0.6 في المئة في العام 2022 وبنسبة 7.0 في المئة في العام 2021، متوقّعًا نموًّا إقتصاديًا بنسبة 0.5 في المئة في العام 2024.
وعزا البنك الدولي هذا الإنكماش إلى تصاعد النزاع في جنوب لبنان جراّء الحرب على قطاع غزة والذي تسبّب بمئات الضحايا والمصابين بالإضافة إلى النزوح الداخلي لنحو 90 ألف فرد. وبحسب التقرير، فإنّ مئات المنازل في جنوب لبنان تضرّرت من الهجوم على الجنوب بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتيّة، كما أنّ الأراضي الزراعيّة تعرّضت إلى أضرار جسيمة إضافةً إلى حرائق وتلوّث.
وقد تسبّب النزاع بصدمات في القطاع السياحي خلال الفصل الرابع من العام 2023، بما أثّر على النموّ الإقتصادي. وأشار التقرير إلى أنّ النزاع في الجنوب قد زاد من حدّة الصدمات في لبنان، والذي لا يزال يعاني من أزمة إجتماعيّة وإقتصاديّة كبيرة في ظلّ الفراغات السياسيّة والمؤسّساتيّة (فراغ رئاسي، حكومة تصريف أعمال، إنجازات محدودة للمجلس النيابي وغياب الإرادة السياسيّة للقيام بالإصلاحات الأساسيّة والضروريّة). وأشار كذلك، إلى أنّ النموّ الإقتصادي في لبنان خلال العام 2023 كان ليصبح إيجابيّا عند 0.2 في المئة (وذلك نتيجة إيرادات سياحيّة قويّة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام) لولا اندلاع الحرب في غزة.
في سياق آخر، توقع تقرير البنك الدولي الذي نشرت تفاصيله في النشرة الأسبوعية لبنك الإعتماد اللبناني، زيادة الإيرادات الحكوميّة من 6.1 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2022 إلى 15.3 في المئة في العام 2023 بسبب التدابير المعتمدة في موازنة العام 2022 (والتي أصبحت فعّالة في العام 2023) والقرار ببدء تحصيل رسوم المرفأ والمطار بالدولار الأميركي في العام 2023. وكشف إلى أنّ قرار إدارة مصرف لبنان الجديدة بالإمتناع عن تمويل الموازنة خلال النصف الثاني من العام 2023 يفسّر الفائض في الموازنة (0.5 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي) والفائض الأوّلي (1.6 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي) خلال العام 2023.
التقرير أشار إلى أنّ مجلس النوّاب أقرّ موازنة العام 2024 التي تتوقّع تصفير العجز في الموازنة وتحقيق إيرادات عند 17.3 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024، علمًا أن الرصيد في الموازنة لا يأخذ في الإعتبار دفعات على موازنات سابقة ودين الحكومة المعنون بالدولار الأميركي، معتبرًا أنّ موازنة العام 2024 تمثّل فرصة ضائعة لتمرير التغييرات الضروريّة للموازنة والسياسة الماليّة.
من جهةٍ أخرى، أشار التقرير إلى أنّ سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي إستقرّ عند نحو الـ89،700 ليرة لبنانيّة للدولار الأميركي الواحد منذ منتصف العام 2023 في وقت تمّ تغيير إدارة مصرف لبنان. ويعود استقرار سعر الصرف إلى توقيف العمل بمنصّة صيرفة وزيادة تدفّقات الأموال الخارجيّة الناتجة عن السياحة وتحويلات المغتربين إضافةً إلى الإنخفاض في حجم النقد المتداول. في الإطار عينه، ارتفع إجمالي إحتياطات مصرف لبنان بـ883 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأخيرة من العام 2023.
وقد زادت نسبة التضخّم إلى 221.3 في المئة في العام 2023 نتيجة التراجع الكبير في سعر صرف العملة المحليّة مقابل الدولار الأميركي في النصف الأوّل من العام 2023. بيد أن إستقرار سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي في النصف الثاني من العام أدّى إلى إنخفاض تدريجي في متوسّط نسبة التضخّم الشهريّة إلى 1.2 في المئة بين شهر آب/ أغسطس وشهر كانون الأوّل/ ديسمبر (مع إستثناء شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الذي شهد إرتفاع بستّة أضعاف في كلفة التعليم في مؤشّر تضخّم الأسعار).
وقد قدّر التقرير بأن يكون قد تراجع العجز في الميزان الجاري إلى 11 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2023 بعدما كان قد زاد إلى 32.7 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2022. يأتي هذا التراجع (من 6.9 مليار دولار في العام 2022 إلى 2.0 مليار دولار في العام 2023) بشكلٍ أساسي إلى الإنخفاض في العجز في تجارة السلع والفائض في تجارة الخدمات (بنسبة 10 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي). وتوقع البنك الدولي أنّه "في حال تأقلم لبنان مع الوضع الأمني المتقلّب وإذا توقّفت التوتّرات في الجنوب في النصف الثاني من العام الحالي، قد يسجّل لبنان نموّ إقتصادي حقيقي في العام 2024.
وبحسب التقرير، ومع غياب خطّة لمعالجة الأزمة وبرنامج يؤدي إلى نموّ إقتصادي، فمن المرجّح أن يزيد إستنزاف رأس المال البشري والإجتماعي والطبيعي للبلاد. أخيرًا، توقع البنك الدولي إنخفاض نسبة تضخّم الأسعار في لبنان إلى 83.9 في المئة في العام 2024 إذ أنّ جميع مكوّنات المؤشّر قد أصبحت مدولرة.