نظمت نقابة "محرري الصحافة" اللبنانية، اليوم الأربعاء، في مناسبة ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية، في مقرها في الحازمية ندوة بعنوان: "أزمة الصحافة وواقع الصحافيين"، شارك فيها وزير الاعلام زياد مكاري ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس متحدثًا عن: دور كليات الاعلام في مواكبة تطوّر وسائل الاعلام ومستقبل الخريجين وأدار الندوة نائب نقيب المحررين صلاح تقي الدين. وحضرها حشد من الزملاء الإعلاميين تقدمهم المستشار الرئاسي مدير مكتب الإعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا.
استُهلت الندوة بالوقوف دقيقة صمت حدادًا على أرواح شهداء الصحافة وبالنشيد الوطني، ثم ألقى مدير الندوة تقي الدين كلمة جاء فيها: أرحب بكم في داركم، دار نقابة المحررين، التي تتسع لكم على ضيقها، للحديث عن التحديات التي تواجه الصحافة والصحافيين.
أزمة الصحافة اللبنانية وواقع الصحافيين، أصبح يشكل هاجساًَ لدى مزاولي هذه المهنة وهي أزمة تتصل بالتطور الكبير والخطير الذي طرأ منذ بروز التحولات الكبرى في هذا القطاع حين بات للتلفزيون قدرة على التسلل إلى المنازل وأصبحت الاذعات رفيقاً دائماً في السيارة والمنزل. لكن الاعلام المرئي والمسموع أصبح في مواجهة واقع جديد مع الحضارة الرقمية، وغزو المواقع الالكترونية للفضاء الاعلامي.
في الواقع، فإن الصحافة كدور ومهنة لم تتبدل، إنما وسائل الإعلام هي التي تغيرت، وبطبيعة الحال، فإن الصحافة الورقية كانت الشهيدة الأولى لهذا التطور وفي كل فترة نشهد إغلاق صحيفة، أو على الاقل تناقصا في قدراتها وامكاناتها وتوفير المحتوى النوعي، والعيش اللائق للعاملين فيها.
انطلاقاً من هنا، ارتأينا تنظيم هذه الندوة لكي نحاول قراءة الواقع، لا بل قراءة الأزمة التي يعاني منها قطاعنا، وأن نحاول مع السادة المنتدين وضع تصور لكيفية إعادة الألق إلى مهنة الصحافة، وكيفية معالجة وضع الصحافيين أو على الأقل وضع إطار يحفظ لهم حقوقهم ومستقبلهم.
ومن أولى بالحديث عن هذه التحديات والإضاءة على هذه الهموم من وزير الاعلام المهندس زياد مكاري، الوافد من اختصاص لا صلة له بالصحافة، لكنه استوعب اللعبة، واندمج في العالم الجديد الذي ولجه، وأصبح من المطلين البارزين على آفاقه وازقته، ووزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس عميد كلية الاعلام والتوثيق سابقا، ومدير فرعها الثاني، واستاذا محاضرا فيها، وقد تخرج على يديه المئات الذين يحتل معظمهم مواقع صحافية واعلامية متقدمة في لبنان والخارج، ونقيب المحررين الاستاذ حوزف القصيفي، الصحافي العتيق والمرموق، والنقابي الذي تشهد له نقابتنا سعيه الدائم في الوقوف من دون كلل أو ملل إلى جانب الزملاء الصحافيين ومحاولة الحفاظ على حقوقهم وصيانة مستقبلهم".
زياد مكاري
ثم ألقى الوزير مكاري كلمة جاء فيها: "أزمة الصحافة وواقع الصحافيين، عنوانٌ واسعٌ وفضفاضٌ يصعُبُ علينا أن نَفيَهُ حقَّه في جلسةٍ أو كلمةٍ أو نَدوة. فالأزمةُ عميقةٌ وحادّةٌ ووجوديّة، وهذا ليس خافيًا على أحد، أقلَّهُ في السنوات الأخيرة حيث لا تموتُ أزمةٌ إلا بولادة أختِها. أما واقعُ الصِحافيين فهو انعكاسٌ لأزمةِ مهنتِهم في بلدٍ مأزومٍ أصلًا على كلّ الصُعُد وبكل المقاييس. فكيفَ إذا كانت الصِحافةُ أساسًا تأريخًا للّحظة وبحثًا عن المتاعب، وما أكثرَها؟
أزمةُ الصِحافة ماليّةٌ أوّلًا، في مهنةٍ تراجعت فيها سوق الإعلانات حتى الشحّ، وتقلّص فيها مبيع الصحف والمجلّات بعد الانفلاش الرقمي والإلكتروني.
والأزمةُ مهْنيّةٌ ثانيًا، نلمسُها يوميّا، من حيثُ مقاربةُ أكثرَ من ملفّ، وصولًا إلى المعالجة واستنتاج الخُلاصات، حيثُ نرى بعضَ الصِحافة- ولا نعمّم هنا- تَجنَح إلى التسرّع والخفّة حتّى الارتجال، في التّعاملِ مع الكثيرِ من مواضيع الساعة، طلبًا للrating ربما، أو طمعًا بالسبق الصحافي، أو ادّعاءً لكشف ما لم يكشفْهُ أحد بعد، وكلّ ذلك على حساب الصّدقيّة والموضوعيّة والأصول المهْنية.
ولكنْ قبل الاسترسال في الحديث عن أيّ أزمة، لا بدّ من التوقّف عند العنوان العريض الذي طبعَ صحافة لبنان وصبَغ كل حرف على مرّ السنين، منذ القِدَم: الحقيقة حتى الشهادة. نعم، إنها الحقيقة التي دفع صحافيو لبنان ثمنَها دماء منذ مئة سنة ويزيد، حتى يومنا هذا. استُشهدوا على أعواد المشانق أيام العثمانيين، وتوالت الشهادة مرورا بنسيب المتني وكامل مروّة، لتمتدّ لاحقا الى سمير قصير وجبران تويني، وصولا الى فرح عمر وعصام عبدالله بالامس القريب.
وزارة الاعلام لم تقصّر في مناصرة الصحافيين ومتابعة حقوقهم والانتصار لهم، ولن توفّر جهدا في سبيل الذَّوْد عن مهنتهم النبيلة، سواءٌ بمواكبة التشريعات الضامنة لحقوقهم وشؤونهم، أو بمتابعة حثيثة لكل ما من شأنه مساعدتُهم على تخطّي أوضاع صعبة قد تفرضها ظروف مالية أو سياسية أو إدارية.
إذا كانتِ الصِحافةُ في أزمة وجوديّة لأسباب عدّدنا بعضَها، فعلى الصِحافيين أن يحصّنوا أنفسَهم ويحسّنوا أداءهم من أجل البقاء والصمود ومغالبةِ الأزمة، ووزارة الاعلام ستكون خيرَ نصير لهم وخيرَ داعم.
في ذكرى شهداء الصِحافة اللبنانية، دَعونا نتأملُ في الصورة المُشرقة والبهيّة تاريخيًا لصِحافتنا وصحافيينا، فنستمدّ منها المثلَ والمثال، من حيثُ الاداءُ المهْنيّ والأخلاقيّاتُ الإعلامية والثقافةُ الواسعة والفكرُ الحرُّ النيّرُ. وإذا كان بعضُ أهلِ الصِحافة الجدد يميلُ أحيانا إلى تسرُّعٍ أو يجنحُ إلى خفّة، فنحن هنا لنقولَ له تمهّلْ، وراءك تاريخ ناصعٌ خطَّهُ صحافيون أوائل، يجدرُ بنا أن نبنيَ عليه ونُعليَ البُنيان.
المشكلة ليست في المهنة اطلاقًا، ولم تكن كذلك يومًا. قد تكون في بعض التشريعات، ونحن نسعى ليلًا ونهارًا إلى تحديثها، وقد تكون في بعض الممارسات الخاطئة والمتهوّرة، ونسعى إلى تصحيحها، وقد تكون في الأوضاع المالية العامة، وهذا ما لن يدوم إلى الأبد".
وقال: "ولا بد لي ونحن في نقابة محرري الصحافة اللبنانية الأعلان عن أننا نعمل على قانون إعلام جديد ووضعنا ملاحظات وزارة الإعلام عليه بالتنسيق مع خبير من اليونسكو، لأن يكون لدينا قانون إعلام عصري وقريب من المعايير الدولية. في لبنان إنقسامات سياسية حول السيادة. لا يجوز كصحافة لبنانية وإعلام لبناني الا يكون لدينا قانون إعلامي يُنقذا من الفوضى التي نعيش فيها ، وأنا كوزير للإعلام أشعر بهذه الفوضى والمشاكل. ولكن الحرية في لبنان مصانة على الرغم من أن هناك من يقول أنها ليست مصانة. وهذه الفوضى بسبب الوضع المأزوم في لبنان. وممنوع علينا كلبنانيين أن يسبقنا العالم في عصر التواصل الإجتماعي. ومنذ اليوم الأول لتعييني وزيرًا قلت أن أي تطور بحاجة إلى عمل مشترك من الجميع، كانوا أصدقاء أو أخصام لي في السياسية، لأنني أرى أننا كلنا في مركب واحد، ويجب أن نكون كذلك لنصل الى برّ الأمان".