على أكثر من خط يعمل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، في يومياته، لا تغيب تفاصيل الجنوب، فيتابع بدقة كل مجريات الأحداث والتطورات على صعيد المواجهات الدائرة بين حزب الله والإسرائيليين، كما يتابع بدقة تطورات الأحداث في غزة، واصفاً ما تقوم به حركة حماس بأنه «قتال بطولي لم يشهد له العالم مثيلاً، فبعد أكثر من ثمانية أشهر لا تزال صامدة وقادرة على توجيه ضربات تصيب بها تل أبيب»، موجها التحية إلى «المناضلين الفلسطينيين الذين يواصلون التصدي للعدوان الإسرائيلي».
ولا يغيب بري عن السياسة اللبنانية الداخلية، وهو الذي يعلم أن كل مفاتيح الحلول بين يديه، ويبدو متأكداً أن أي حل جدي للأزمة الرئاسية سيكون بالعودة إلى ما اقترحه هو بنفسه قبل نحو عام، أي الذهاب الى عقد جلسات حوار لسبعة أيام، ويدعو بعدها إلى جلسات انتخابية مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد، ويؤكد في حديثه مع «الجريدة» الكويتية أنه دون ذلك لا يرى إمكانية لإنهاء الفراغ الرئاسي مهما كانت الاجتهادات قائمة. «الخماسية» ويقول بري إن اللجنة الخماسية، التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، تبذل جهوداً «مشكورة عليها» فيما يخص الاستحقاق الرئاسي، لكن في الوقت نفسه لا يخفي بعض ملاحظاته على الأداء الذي اتسمت به في بداياتها، ما أدى الى تضارب في وجهات النظر بين أعضائها، ولكن فيما بعد جرت محاولة تصويب المواقف وتوحيدها.
ويستعيد بري مضمون البيان الأخير الصادر عن «الخماسية»، معتبرا أن فيه ثغرات أبرزها وضع مهلة نهاية الشهر لانتخاب الرئيس، علماً أنه من غير المعروف كيف يمكن تحقيق ذلك والشهر قد انتهى، فيما لم يتواصل معه أحد طالبا منه أن يدعو الى جلسة انتخاب أو يتشاور معه حول كيفية عقد هذه الجلسة، وينتظر بري زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت يوم غد الثلاثاء، وأضاف: «لا بد من انتظار لودريان وما يحمله».
ويحمل رئيس مجلس النواب اللبناني «القوات اللبنانية»، بزعامة سمير جعجع، مسؤولية تعطيل الحوار، معتبراً أن كل القوى الأخرى تبدو جاهزة للذهاب إليه بما فيها «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل، وهو يراهن على «الخماسية» في إقناع كل الكتل والقوى بالمشاركة في الحوار لأنه المدخل الوحيد للحل.
ويتمسك بري بمسألة أن يدعو بنفسه الى الحوار، سواء أطلق عليه اسم حوار أو تشاور أو نقاش، على قاعدة أن يترأسه هو، فهذا أمر ثابت بالنسبة اليه.
وحول الكلام الذي يتسرب عن عقد طاولة حوار خارج لبنان، وما حكي عن احتمال عقد مؤتمر من هذا النوع في باريس، ذكر بري: «لماذا لا يعقد في بيروت، وفي مجلس النواب؟».
وعما يقال حول احتمال أن تقوم «كتلة الاعتدال» بالدعوة الى «تشاور وطني»، نفى ذلك مطلقاً، وقال: «أنا من أطلقت عمل كتلة الاعتدال ودعمتهم، وذلك في سبيل تسهيل عملهم وتسهيل آلية التواصل بين القوى السياسية والكتل النيابية، لكن مسألة الدعوة الى الحوار مختلفة».
لا حرب إسرائيلية
ولا يخفي بري تخوفه على الوضع في الجنوب، معتبرا أن المواجهات تتصاعد تدريجيا، ولا بد من الوصول الى وقف لإطلاق النار الشامل في غزة، لأنه بدون ذلك سيتواصل التصعيد وستتجه الأمور نحو الأخطر، ولا يتخوف من احتمال شن الإسرائيليين حرباً واسعة أو اجتياحاً برياً للبنان، فهو يعتبر أن الجيش الإسرائيلي أُنهك، وغير قادر على الانتهاء من حرب غزة، لذلك لن يكون جاهزاً أو قادراً على شن حرب في لبنان، و«الإسرائيليون يعلمون أنهم في حال أرادوا تكرار تجارب الماضي فسيتلقون هزيمة كبرى،وعندما يفكرون في الدخول الى لبنان فإن حزب الله وحركة أمل سيعملان على التصدي لهم عسكرياً».
ويرى أن إسرائيل تريد البقاء على الوضع القائم، لأنها تعتبر نفسها متفوقة في الحرب الجوية وفي طائراتها الحربية وتقنياتها، ولذلك لن تفكر في تنفيذ عملية برية، ورغم ذلك يلفت الى أنه بالرغم من كل تفوق الإسرائيليين العسكري والجوي وفي التقنيات لكن حزب الله تمكن من توجيه ضربات قاسية جداً لهم.
وينظر بري الى تطورات الجنوب بأنها المدخل الى كل الحلول في البلاد، تماما كما أن المدخل لوقف المواجهات العسكرية على الحدود هو وقف الحرب في غزة.
ولدى سؤاله عن تحركات المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين قال: «ما زلنا على الاتفاق الثابت بأن يتم التحرك في سبيل الوصول الى تفاهم على وقف إطلاق النار مع وقف النار في غزة، وعندها يتم إطلاق المسار السياسي لتطبيق القرار 1701، دون ذلك يعلم الأميركيون أن الوضع سيبقى على حاله».
وكشف أنه تلقى اتصالاً أميركياً لسؤاله عن إمكانية عودة هوكشتاين الى بيروت، وكان جوابه واضحاً: «كل شيء مرتبط بوقف الحرب على غزة، وبمجرد وقف العمليات العسكرية يمكن لهوكشتاين المجيء والبحث عن حلول».
ولفت إلى أن المخاطر ترتفع بالتأكيد طالما الحرب مستمرة ويطول أمدها، خصوصا أن الإسرائيليين يعتمدون سياسة التدمير الممنهج والأرض المحروقة على مسافة 7 كلم، ولذلك يتعمدون إلحاق خسائر تدميرية هائلة في قرى الجنوب، وأكد: «بدأنا العمل من الآن على إعداد برنامج لإعادة الإعمار وإعادة الناس على منازلها، وقد طلبت من البنك الدولي توفير الأموال اللازمة لذلك، كما أنني أعمل مع المغتربين اللبنانيين في ضرورة أن يكون لهم دور أساسي وبارز في إعادة إعمار الجنوب، وستكون لنا مناشدات ومطالبات لكل الدول القريبة والصديقة، وخصوصاً الأشقاء العرب، السعودية وقطر والكويت، للمساهمة في إعادة الإعمار».