في الشهرين الماضيين، وبعد الهجوم الذي شنه النظام الإيراني بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل والهجوم الذي استهدف المنشآت النووية بالقرب من مدينة أصفهان والذي نسب إلى إسرائيل، أثيرت كثير من المزاعم حول القدرات النووية الإيرانية وعلى نطاق أوسع.
وبعد تصريحات رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي في الحوار الذي أجرته معه قناة "الجزيرة" القطرية، وتناولته وسائل الإعلام الدولية بشكل واسع، عاد واغتنم أمين سر هذا المجلس عباس عراقجي الذي ترأس المفاوضات النووية سابقاً، حساسية المجتمع الدولي تجاه امتلاك إيران السلاح النووي، وطرح المواقف ذاتها التي تحدث فيها خرازي.
وكان خرازي قد قال لقناة "الجزيرة" في الـ9 من أيار/ مايو الجاري، إن "إيران قد تغير عقيدتها في امتلاك السلاح النووي إذا ما تعرضت للتهديد". كما تحدث خرازي عن التهديدات الإسرائيلية. وكرر عراقجي هذا التوجه يوم الأحد الماضي، في الحلقة النقاشية التي أقامتها قناة "الجزيرة" في العاصمة القطرية، الدوحة. وقال إن "التهديدات النووية الإسرائيلية ستجبر الدول على أن تغير عقيدتها النووية".
وجاءت مزاعم المسؤولين الإيرانيين بأن طهران قد تغير عقيدتها النووية بينما كان الترويج للمشروع النووي الإيراني يرتكز على أن طبيعته سلمية وليست عسكرية، ليلقي الشكوك حول تلك الادعاءات، لا سيما أن البرنامج النووي الإيراني الذي لفت أنظار العالم قبل 22 عاماً، كشفت عنه المعارضة الإيرانية وليس عبر إعلان رسمي حكومي، وكان غامضاً ومليئاً بالأسئلة التي لم تصادف أية أجوبة عنها حتى تلك اللحظة.
وخلال هذه الفترة، لم يتمكن أي مسؤول أو منظمة دولية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من تأكيد الطبيعة السلمية للأنشطة النووية الإيرانية، إذ أشارت التقارير السابقة، لا سيما الوثائق التي سرقت من الأرشيف النووي الإيراني، إلى أن النهج الذي كان عليه البرنامج النووي عسكرياً على الأقل حتى عام 2002.
ومنذ ذلك الحين، واصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والغرب بحسب "اندبندنت" معركتهما مع إيران في شأن التعاون من أجل التحقق من ادعاء طهران بأن أهدافها النووية سلمية، إلا أن الأطراف لم تصل بعد إلى نتيجة واضحة.
وبطبيعة الحال، فكما لم تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية الطبيعة السلمية للأهداف النووية الإيرانية، فإنها لم تثبت بعد أن طبيعة البرنامج النووي الإيراني عسكرية أيضاً. إلا أن عديداً من الخبراء والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية يعتقدون أن المستوى الحالي لتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتراكم المخزون من اليورانيوم في إيران ليس له أي مبرر سلمي على الأقل.
إذ قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وفي أكثر من مناسبة، إنه "لا تزال هناك عديد من الشكوك حول البرنامج النووي الإيراني، وإذا ما لم يكن هناك تعاون كامل وأن نصل إلى نتائج ملموسة، فلا يمكن لنا أن نتأكد من الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني".
ومن أهم نقاط الاختلاف بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران هي جزئيات اليورانيوم التي وجدت في ثلاثة أماكن على الأقل إذ لم تعلن عنها إيران وهي منشأة ورامين ومريوان وتورقوزآباد.
ومن ناحية أخرى، عادة ما تصف طهران بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية التي تشترك في القلق في شأن الأنشطة النووية الإيرانية، بأنها بيانات وتصريحات سياسية. واللافت في الموضوع أنه لهذه اللحظة، فإن المسؤولين الإيرانيين ولإثبات ادعاءاتهم بأن الأنشطة النووية الإيرانية سلمية، يستنجدون بفتوى المرشد علي خامنئي.
وفي ذروة عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد إيران، كان قد حرم المرشد الإيراني في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2010 استخدام الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
وجاء في هذه الفتوى "إننا نعتقد أنه إضافة إلى السلاح النووي، فإن الأنواع الأخرى من أسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة الكيماوية والأسلحة البيولوجية، تعتبر تهديداً خطيراً على البشرية. إننا نعتبر استخدام هذه الأسلحة حراماً والسعي لحماية البشرية من هذا البلاء العظيم واجباً على عاتق الجميع".
يذكر أن عديداً من وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة وعدداً من المحللين والخبراء، قد تحدثوا عن فتوى المرشد الإيراني في ملخصاتهم حول الأنشطة النووية الإيرانية.
إلا أن كمال خرازي وعباس عراقجي اللذين عينهما المرشد خامنئي في المجلس الاستراتيجي للشؤون الخارجية، يكشفان ومن خلال التهديد، عن حقيقة وجود احتمال لتغيير طبيعة فتوى خامنئي أو مخالفتها إذا ما استوجب الأمر.
ومن ناحية أخرى، فإن ادعاء "تغير العقيدة النووية" بينما لا تزال طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية محل شك، قد يكون من أجل استفزاز الغرب لاستئناف المفاوضات أو بالفعل تهديداً صريحاً، لكن هذا لا يعني أبداً قبول مزاعم النظام الإيراني بأن طبيعة العقيدة النووية كانت سلمية لهذه اللحظة.