لم تخلّف المناظرة الأميركية التي جرت الأسبوع الفائت أي ردود فعل واضحة في منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من كونها المنطقة المعنية أكثر من غيرها بالسياسات الأميركية، لقد اختار الجميع التمهل والانتظار، ولعل هذا يكون أقرب وصف لتلك الليلة الأميركية الصاخبة، فخلال السنوات الثمان الماضية جرب العالم، وخصوصاً المنطقة العربية، رئيسين أميركيين متناقضين بشكل صارخ، وهو أمر لم تعتده السياسة الأميركية، حتى عند انتقال السلطة من جيمي كارتر، الرئيس البسيط والمتواضع جداً، إلى رونالد ريجان الحيوي والشجاع، الذي يعد أحد أهم الرؤساء في التاريخ الأميركي، لم يحمل ذلك هذا التنافر في الأفكار والسياسات.
حجم الاختلاف حول وعلى "ترمب وبايدن"، كبير جداً، خلّف انقساماً عميقاً وواضحاً ليس في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، بل والعالم، خاصة أنهما يقدمان نموذجين سياسيين مختلفين تماماً.
السؤال الكبير الذي يدور في كواليس الإعلام والسياسة يقول: من هو الرئيس الأميركي الأفضل للمنطقة والعالم "دونالد ترمب أم جو بايدن"؟
دعونا نرى الخريطة السياسية للعالم اليوم ونتوقع كيف ستتعامل معها الإدارتان القادمتان.
حرب أوكرانيا وروسيا تكاد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة انطلقت منذ ثلاث سنوات وليس من المأمول حلها قريباً، تسخين متصاعد بين الصين وجيرانها "تايوان، الفلبين، اليابان" هو جزء من حرب باردة جديدة تهدف إلى إشغال الصينيين وإبطاء اقتصادهم ودفعهم للدخول في مغامرات غير محسوبة، حرب في غزة يمكن لها أن تفجر الإقليم في لحظات إذا لم تتم السيطرة على تداعياتها، حرب المضائق في جنوب البحر الأحمر، وهي حرب مفتعلة إلا أنها تعطينا فكرة عما يريده راسم الخريطة السياسية للعالم خلال العقود القادمة، كذلك حرب مشتعلة بين الإخوة والأشقاء في السودان، لتضاف لأزمات المنطقة حرب محتملة في جنوب لبنان.
كل هذه "الجيوب" المتعبة والملتهبة لم تأتِ من العدم، هناك من هيأ خروجها للاستفادة من تداعياتها، يصحبها اقتصاد عالمي ضعيف يعاني من نزيف مستمر وجفاف في السيولة وتباطؤ واضح، إضافة إلى ارتفاع في تكاليف المعيشة حول العالم أثّر على حياة الناس، أزمة ولدت ولا يتوقع لها أن تتوقف قريباً.
أضحى العالم أمام خيارين متناقضين تماماً إما بايدن أو ترمب، لنتذكر فقط أن العالم كان دائماً بين خيار "أميركي روسي"، وها هو اليوم بين خيار وحيد "أميركي أميركي". قدر لا بد من التعامل معه، فلا يمكن تجاهل الولايات المتحدة الأميركية، وهي محرك أساس لهذا العالم، بجيوشها واقتصادها وعملتها ونفوذها، لذلك لم ولن تكون الانتخابات الأميركية شأناً داخلياً أميركياً أبداً، فتأثيراتها وتبعاتها ستؤثر على مستقبل العالم.
وبالرغم من ضبابية المشهد الأميركي، لكن هناك دائماً فوائد، لعل منها أن كسر العظم القاسي بين يسار أميركي متطرف ويمين أميركي متطرف آخر، يخلق تهذيباً لسلوكهما الذي ألقى بظلاله على البشرية.
فاليسار المنحرف المتجاوز الذي سيطر على الفنون والإعلام والسياسة مستهدفاً التأثير في عقول ومستقبل الإنسان اصطدم بالرفض اليميني المناهض للإباحية والشذوذ ومحاولات تغيير الجنس البشري.
ذلك الصدام هو ما سيرشد أجندات اليسار أو يخفف على الأقل من اندفاعها، بالتأكيد هو لن يلغيها، ولكنه سيحد من تجبرها وتسلطها، وهذا في مصلحة البشرية، كذلك فإن الشوفينية اليمينية المتطرفة كانت بحاجة إلى تهذيب سلوكها وعدائها للآخر.
العالم اليوم، وخاصة الشرق الأوسط المنطقة الأكثر هشاشة، بحاجة فعلية إلى قيادة أميركية -أياً كانت جمهورية أم ديموقراطية- واعية وعاقلة ومتزنة لديها الرغبة في فض الاشتباكات وإطفاء التوترات وردم الحروب، لإعطاء البشرية فسحة من الوقت تسترد بها أنفاسها وحياتها بعد موجات الثورات والحروب التي غيّرت وجه العالم في عقد ونصف فقط.