شهدت الولايات المتحدة الأميركية أسبوعاً حافلاً على المستوى الانتخابي، فبعد المناظرة الشهيرة بين المرشحيْن الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطي جو بايدن التي أظهر بها الأخير ضعفاً على مستوى القدرات الذهنية وعلى مستوى التركيز وكذا على مستوى الترابط اللغوي، مما جعل الكثيرين في صفوف الحزب الديمقراطي يدعون سراً وعلانية إلى استبداله بشخصية أخرى تكون قادرة على مواجهة ترمب، ولكن كل تلك الدعوات ذهبت أدراج الرياح؛ لأن الرئيس بايدن اعتبر مسألة الترشح قضية شخصية بعيداً عن مصلحة الحزب الديمقراطي، بل يمكن القول بعيداً عن المصلحة العامة ومصلحة أميركا.
لقد حولت تلك المناظرة الموضوع الأساسي في الانتخابات الأميركية هي القدرات الذهنية للرئيس بايدن وتوارت خلفها كل القضايا الأخرى سواء اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ووُضع الرئيس الديمقراطي تحت المجهر، في كل لفظ وسكنة وهمسة يقولها يجد من يراقبه وهذا ما كان في اجتماع دول حلف شمال الأطلسي الذي عقد في العاصمة واشنطن عقب المناظرة، حاول بايدن وبكل الوسائل الممكنة تغيير الصورة والانطباع الذي تركه لدى الناخبين بشكل عام والأهم لدى أعضاء ومناصري الحزب الديمقراطي ولكنه فشل في ذلك.
أما الطامة الكبرى فهي محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، فبينما كان يخطب في مجمع انتخابي في بنسلفانيا تعرض لإطلاق نار، حيث أصابت إحدى الطلقات أذنه وكان قاب قوسين أو أدنى من الموت، ولكن الرئيس السابق امتاز برباطة الجأش وقوة الشكيمة مما أثار إعجاب ليس فقط المناصرين بل حتى خصومه ومعارضيه، وقبل أن ينقله عناصر الخدمة السرية إلى مكان آمن كان الرئيس ترمب يلوح بقبضته لمناصريه في لقطة لن تمحى من التاريخ الأميركي وكان يقول fight... fight بمعنى مقاومة ومواجهة.
لقد توج هذا الحدث الجلل الرئيس الأميركي السابق ترمب رئيساً لفترة جديدة إذا لم تحدث هنالك مفاجأة كبيرة. فعلى عكس أشرعة بايدن التي تبدو ساكنة بلا حراك فإن سفن ترمب تسير بقوة صاروخية. حتى قبل محاولة الاغتيال فإن الكثير من المهتمين بالشأن الأميركي وخصوصاً رؤساء الدول والحكومات الحليفة لواشنطن بدأوا يعدون العدة للتعامل مع إدارة أميركية جمهورية يقودها دونالد ترمب، وبعيدا عن تصريحات المجاملة التي استمعنا إليها خلال قمة الناتو، لكن دولاً كثيرة في الاتحاد الأوروبي -على سبيل المثال- باتت تعد العدة للتعامل مع ترمب وتوجهاته المختلفة في إطار السياسة الخارجية، وخصوصاً في ما يتعلق بملفات حارقة كالحرب في أوكرانيا ومساهمة أميركا في حلف الناتو والدور الأميركي في الاتفاقيات والمنظمات الدولية.
يدفع الديمقراطيون ثمناً باهظاً لتراخيهم في التعامل مع قضية صحة الرئيس وتأجيلها حتى اللحظة الأخيرة، أما الآن فإن الخيارات تضيق فإما الإبقاء على ترشح جو بايدن وتكاد تكون النتيجة محسومة معه لصالح ترمب، أو الانتقال إلى شخصية أخرى مع إمكانية الانقسام في الحزب، كما أن الوقت يضيق لترسيخ حملة انتخابية تستطيع مواجهة ترمب، إذن عملياً تبدو الانتخابات الأميركية وكأنها قد حُسمت قبل ثلاثة أشهر من بدء التصويت لصالح ترمب وفريقه.