المغرب

"المد الرقمي" يقلص من الممارسة النسوية الهاوية لفن أحواش بقرى سوس

تدريجيا، تتلاشى الممارسة النسائية الهاوية لفن أحواش بعدد مناطق جهة سوس ماسة فاسحة المجال أمام الممارسة المحترفة، في إطار فرق تقدم خدمات التنشيط والفرجة المؤدى عنها خلال المواسم السنوية والتظاهرات الثقافية محلية كانت أم وطنية.

وفي وقت كانت مداشرُ الجهة تعج، في مثل هذه الفترة من السنة تحديدا، بالأنشطة الفنية التي تشارك فيها النساء عبر رقصاتٍ من فن أحواش في إطار محلي خالص بات الواقع اليوم مختلفا، بنسبة مختلفة، بعدما صارت المشاركة النسوية الهاوية تواجه المجهول مقابل حفاظ الممارسة الذكورية لهذا الفن على زخمها واستفادتها من التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومما يدفع به كثيرون من المُلمين بهذا الموضوع هو أن التطور التكنولوجي ساهم بنسبة مهمة في الوضعية الراهنة للممارسة النسوية لهذا الفن، حيث اتضح عدم ترحيب النساء بتوثيق احتفالياتهن بما يظل مظهرا من مظاهر العقل المحافظ والعقلية المحلية؛ مما جعلنا أمام ارتفاع منسوب الممارسة الرجالية الاحترافية ونمو النسوية هي الأخرى، لكن بنسبة أقل من الأولى"، معتبرين أن "فترة ما قبل العهد الجديد لمواقع التواصل الاجتماعي كانت تعرف صحوة الممارسة النسائية العفوية لهذا الطقس، قبل أن ننفتح على فترة التقلص والاحتشام".

إبراهيم المزند، فاعل ثقافي بجهة سوس ماسة المدير الفني لمهرجان تيمتار، أكد أن "تراجع منسوب الممارسة النسائية غير المحترفة لفن أحواش أمر بدا واقعا على الرغم من تمكن هذا الطقس الفُرجوي من مواكبة العصر والانفتاح على المنزع الاحترافي، خصوصا لدى الرجال الذين توجهوا نحو تأسيس فرق محترفة والتأسيس لمنطق الفرجة المؤدى عنها".

وأضاف المزند أن "التكنولوجيا أثرت في تراجع ممارسة النساء لفن أحواش من منطلق الهواية؛ وحتى إن كان موسمية وليس دائمة، حيث لوحظ أن نسبة النشاط في هذا الصدد قد قلت فعليا بالمناطق الجبلية خلال السنوات الأخيرة، موازاة مع الطفرة التي يعرفها المجال التكنولوجي والانفتاح الكلي للمغاربة على استخدام جديد التكنولوجيا والتواصل الرقمي".

وزاد المتحدث شارحا الوضعية: "نتحدث عن هذا الواقع ونحن نستحضر وجود توجس لدى النساء من الكاميرات والهواتف وكل ما يمكنه أن يجعل النشاط الذي يمارسنه يخرج من دائرة الدوار إلى القبيلة ويكون متوفرا لكل مستخدمي السوشيال ميديا على سبيل المثال"، معتبرا أن "عنصري الوقار والاحتياط لا يزالان يتحكمان في هذه المسألة؛ ما يتجسد في عدم الرغبة في الظهور رقميا أو توثيق أي جزء تشارك فيه النساء، في وقت يمكن ان تكون التكنولوجيا مساندة للفعل الاحترافي الذكوري والنسوي على حد سواء".

واعتبر الفاعل الثقافي أن فن أحواش وإن ظهر مستمر خلال الوقت الراهن فإنه يفقد سنويا جزءا منه، خصوصا من الجانب البشري، بعدما اتضح أننا نفقد كنوزا بشرية وجيلا من المحترفين دون أن نتوفر على جيل صاعد ملم بالجوانب العملياتية لهذا الطقس الفرجوي، لا سيما إن استحضرنا أن هذا الشكل الفني لا يدرس بالمعاهد الوطنية بل يتم اكتسابه عن طريق الممارسة فقط".

وسار في المنحى التحليلي نفسه عبد الواحد العسري، باحث في المجال الثقافي، الذي سجل أن "زمن ما قبل الهواتف الذكية كان معروفا بصحوة نشاط الممارسة النسوية الهاوية لفن أحواش بجهة سوس ماسة، قبل أن نرى تراجع حدتها خلال العقد الأخير بعد ظهور الوسائل التكنولوجية وتطورها لتصل إلى ما هي عليه اليوم".

وقال العسري لهسبريس إنه "في مقابل هذا شهدنا ارتفاع إقبال النساء على تأسيس فرق احترافية خاصة بهن يعمدن من خلالها إلى تقديم خدماتهن الفرجوية بمقابل مادي، حيث يسهرن على تنشيط الحفلات والأعراس بمناطق مختلفة من العرض ويشاركن كذلك في مهرجانات محلية، محتفظات بغطاء الرأس المسمى "أدالْ" بطبيعة الحال"، موردا أن "الفرق الرجالية هي الأخرى طوّرت نفسها خلال الآونة الأخيرة، حتى صرنا أمام منافسة قوية بينها حول من ستظفر بنسبة كبرى من طلبات تنشيط الحفلات والتظاهرات الفنية الموسمية".

وصلة بموضوع تراجع الممارسة النسائية الهاوية لهذا الشكل الفني، لفت مدير مهرجان أناروز بتافراوت إلى أن "ارتفاع منسوب استعمال التقنيات الحديثة للتصوير والتوثيق الرقمي، بما فيها الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، يبقى عنصرا من بين عناصر رئيسية ساهمت في مواجهة الممارسة النسائية الهاوية لهذا الفن للمجهول، خصوصا إذا استحضرنا أن المناطق المعنية بهذه الطقوس الفرجوية لا تزال تعرف حضورا رئيسيا للعقلية المحافظة التي لا يمكنها أن تقبل باتباع توجهات جديدة خارجة على ما كان معتادا".

ولفت العسري في الأخير إلى أن "هناك عوامل أخرى أساسية في هذا الصدد؛ بما فيها ارتفاع منسوب الهجرة، وعدم تحمس الجيل الجديد من الشابات على وجه التحديد للمشاركة في هذا الطقس الفرجوي أمام حضور جماهيري مكثف من أبناء الدوار لوحدهم أو بحضور جماهير وافدة من الخارج".

يقرأون الآن