المصالحة الفلسطينية وراء سور الصين العظيم

ليس صحيحاً ما يروجه إعلام الإخوان المسلمين أن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تسبب بصحوة عالمية تجاه القضية الفلسطينية، فالموقف العالمي الجديد من القضية الفلسطينية يعود للدبلوماسية العربية أولاً، وهو ما انعكس لاحقاً في مسألة تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالتالي ليست هي التظاهرات الطلابية التي ظهرت في أميركا وأوروبا والتي كانت لها انعكاسات سلبية أصلاً، رأيناها من خلال قفزة اليمين الأوروبي المتطرف ووصوله أعتاب السلطة واكتساحه مقاعد البرلمان الأوروبي.

فالصورة الأكثر مثالية، أن مجمل الدول الغربية أدركت عمق الأزمة، وأدركت مخاطر الميليشيا الإيرانية التي أثبت أنها قادرة على تخريب الأمن الإقليمي في المنطقة بشكل كبير بما يؤثر على الأمن العالمي، وبالتالي هل ثمة سعي غربي في إحداث تحولات سياسية نوعية، تعيد العملية السياسية في المنطقة إلى الصدارة بعيداً عن الاستعصاء السياسي المتوارث خلال العقود الماضية؟

هنا يأتي دور البيت الفلسطيني بعد النتائج الكارثية التي تسبب بها السابع من أكتوبر، وهل يمكن إعادة التوازن إلى هذا البيت وكبح حالة الانقسام الداخلي التي أصبحت أكثر عمقاً، وصولاً للتباينات السياسية لا تبدو أنها تسير وفق التقويم الصحيح، أمام إصرار حماس على التمسك بثنائية السلطة والسلاح، وإعادة إنتاج ما تسميه المقاومة، وهو المسار الذي جلب أكثر من 600 قتيل فلسطيني أغلبهم من الشبان في الضفة منذ السابع من أكتوبر فقط، في عملية صنفتها حركة حماس بقصد التخفيف عن غزة، وفق ما أعلنت الحركة في حينه، وهي موازنة كان مشكوكاً في نتائجها الميدانية والسياسية.

فالأسئلة في أعقاب رحلة الفصائل الفلسطينية إلى الصين، رشحت أن تكون الرحلة بلا نتائج على شاكلة الاتفاقات السابقة، بدءاً من اتفاق مكة الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الراحل عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، وانتهى الاتفاق لأن فلسفة التعطيل لدى حماس آنذاك كانت فقط في تفسير بنود الاتفاق، في الوقت الذي كانت فيه مكة قريبة لو أرادت حماس العودة للمرجعية هناك وقراءة قاموس المفردات وتفسيرها، غير أن الجدية في إنهاء الانقسام كانت باردة، حتى جاء العام التالي حينما تم إدخال غزة إلى الحرب الأولى مع إسرائيل بعد مغادرة الأخيرة غزة عام 2005 إثر خطة الانفصال الأحادي، لكن أبرز ما نتج عن الحرب التي بدأت أواخر 2008 هي فكرة الانتصار الأسطوري، والذي تم الترويج له بشكل غير منطقي، مع أن المعادلة كانت إطلاق صواريخ بدائية الصنع على مستوطنات غلاف غزة، وما تلا ذلك من وقف لإطلاق النار والذي أصبح آنذاك بحسب العقل السياسي لدى حماس، بأنه اعتراف إسرائيلي بوجود الحركة وبالتالي تكرست فكرة تغييب السلطة الفلسطينية التي جاءت وفق اتفاقية أوسلو، على حساب إعادة تكريس مشروع المقاومة والذي بات يعني إسقاط مشروعية السلطة الفلسطينية والتخلي عن المشروع السياسي برمته.

هنا كانت إشكالية 17 سنة من الانقسام وصلت إلى السابع من أكتوبر الماضي، لتعيد الحوار من جديد، بين المشروع السياسي الذي نجح في استرداد الضفة الفلسطينية وقطاع غزة بدون حرب، وبين مشروع حركة حماس والذي أعاد غزة إلى الاحتلال مع فارق كبير هو الدمار الهائل للقطاع، والذي أصبحت الحياة بداخله معقدة للغاية.

هنا بالضبط، أصبحت فكرة الذهاب للحوار من جديد مع حماس والتي انطلقت تحت عنوان اليوم التالي للحرب، بدت فكرة غير واقعية لدى الكثير من النخب الفلسطينية لأن عنوان الحوار أولاً، تناول الإطار السياسي القادم لإدارة غزة، وهو ما لا يكفي أن يكون ثمة توافق الفصائل الفلسطينية عليه دون العودة لأهالي غزة الذين هم ضحايا هذه المغامرة الكبيرة. ناهيك عن الجدل الذي تناول ما ورد في البيان الختامي، من التركيز على "توحيد الموقف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير، إضافة للحديث عن الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية طبقاً لقرارات الأمم المتحدة" وبهذه النصوص في البيان الختامي تكون حماس تتبنى موقف منظمة التحرير الفلسطينية السياسي فيما لو التزمت به حقيقة الالتزام. أمام السؤال البدهي هو ما رأى فيه آخرون أن حماس باتت تختبئ خلف منظمة التحرير الفلسطينية لكي تحصل على مشروعية البقاء في حكم غزة لا أكثر.

المعادلة الأكثر أهمية هي في الداخل الفلسطيني، فمسألة الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية ليست مجرد موافقة على البيان السياسي فقط، ولكن ثمة محاور ملموسة لا تستطيع حماس الإجابة عنها نظرياً، فهناك ثلاثية المال والاتصال، ثم السلاح، وذلك حتى لا تتكرر قصة السلاح في مشهد القوة التنفيذية التي كانت تابعة لحماس في غزة، ثم انقلبت على الأمن الداخلي هناك، فمسألة سلاح الفصائل الموجود في الضفة هي بمثابة رسالة كارثية تسيء للسلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي حيث تظهر السلطة بمظهر الضعيف العاجز عن تسلم مسؤوليات الامن أمام انتشار ظاهرة المليشيا وهو ما يدعم فكرة المعارضين لقيام الدولة الفلسطينية والقول أنه من المبكر الحديث فيها، وهو ما عملت إسرائيل على تسويقه من قبل ولا تزال.

من هنا كيف يمكن الحديث عما بعد غزة في غزة، في الوقت الذي تعيش فيه الضفة ذات الهاجس الأمني الذي سبق الانقسام سنة 2007 وسيطرة حماس على غزة.

أما ما يتعلق بالمال والاتصالات السياسية، فهل تستطيع حركة حماس أن تكشف اللثام عن المال وحركته ومصادره، وهو الذي يعتبر ركيزة أساسية لدخولها الفعلي إلى منظمة التحرير، يضاف الى ذلك ملف الاتصالات السياسية، إذ لا تمانع المنظمة بطبيعة التوجهات السياسية ولكنها تقف أمام الاتصالات السياسية والعلاقات التي قد تسيء للدول العربية من جانب، وتعمل على تعميق صراع سياسي داخلي خصوصاً أمام تبني فكر الإخوان المسلمين الإقصائي، وهل تستطيع حركة حماس أن تتجاوز العقلية الولائية والتحول إلى حركة وطنية بدلا من حركة إخوانية بلا جغرافيا.

أما في جانب حركة حماس، هناك تسريبات تقول إن الحركة تدرس تأسيس منظومة سياسية جديدة تبدأها في الضفة الفلسطينية، بحيث تؤسس حزباً جديداً يكون ممثلاً للحركة داخل منظمة التحرير وبالتالي يعلن تبنيه لبرنامجها السياسي، ولكن حتى هذه الفكرة تريدها حماس بعد تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وبمعنى آخر إن حماس تريد منظمة تحرير فلسطينية جديدة مفصلة على مقاس حماس حتى تدخل إليها، وبالتالي فهل ستبقى منظمة التحرير عند ذلك هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما صنفها العالم، أم أن دخول حماس يعني نهاية الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية. بالتالي هل ستأتي المصالحة الفلسطينية أم ستبقى عالقة وراء سور الصين العظيم.

يقرأون الآن