لقد التزمت إسرائيل وحزب الله بقواعد غير مكتوبة في حربهما المنخفضة الحدة، إذ يدرك كل من الجانبين أن عدوه يتمتع بقوة نيران مخيفة، لذلك حاولا الحد من ضرباتهما، وقد استهدفت الضربات أهدافاً عسكرية أو بلدات حدودية تم إخلاؤها بعدما فر منها حوالي 150 ألف مدني.
وفي 27 تموز/ يوليو، تحطمت هذه القواعد وفق مجلة "إيكونوميست"، إذ سقط صاروخ على ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس على مرتفعات الجولان، مما أسفر عن مقتل 12 طفلاً وإصابة العشرات.
وكان هذا الهجوم الأكثر دموية على الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما قتلت حماس نحو 1200 شخص.
وعندما ظهرت هوية ضحايا مجدل شمس ــ إذ كانوا من أفراد الطائفة الدرزية ــ سارع حزب الله إلى إنكار إطلاق الصاروخ.
لكن من المؤكد تقريباً أنه فعل ذلك، بحسب المجلة، كجزء من وابل أكبر من الصواريخ أطلقه رداً على ضربة إسرائيلية سابقة أسفرت عن مقتل أربعة من عناصره.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن الصاروخ كان يستهدف قاعدة عسكرية على جبل الشيخ القريب لكنه أخطأ هدفه.
وأضافت المجلة أن حزب الله أطلق نحو 6000 قذيفة باتجاه إسرائيل منذ 8 من تشرين الأول/أكتوبر، عندما بدأ سلسلة من الهجمات المتبادلة في إظهار للتضامن مع حماس. كانت هذه المرة الأولى التي ينفي فيها ضربة. كانت لديه ثلاثة أسباب لتجنب اللوم.
ما هي؟
السبب الأول هو لقطات الجثث الصغيرة المشوهة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وجد حتى بعض أنصار المجموعة صعوبة في تقبلها.
ويرتبط السبب الثاني بعلاقة حزب الله مع الدروز. هم طائفة سرية يبلغ عدد أفرادها نحو مليون شخص، ويعيشون في لبنان وسوريا وإسرائيل مع ولاءات معقدة في كل منها.
وفي إسرائيل يخدم معظم الدروز في الجيش ويحتفلون بما يسمونه "عهد الدم" مع الدولة اليهودية.
وفي السنوات الأخيرة، تحالف الحزب الدرزي الرئيسي في لبنان بقيادة عائلة جنبلاط مع حزب الله ــ وهو موقف غريب بعدما انضم دروز سوريا إلى الثورة ضد حكومة الأسد التي دعمها حزب الله.
ويواجه الدروز البالغ عددهم 27 ألف نسمة في الجولان الموقف الأكثر تعقيداً.
فمنذ سنة 1967، حين استولت إسرائيل على الهضبة من سوريا، حاولوا تحقيق التوازن بين ولاءاتهم.
وفي سنة 1981 ضمت إسرائيل الجولان فعلياً، بالرغم من أن أمريكا وحدها اعترفت بذلك، وعرضت على الدروز الجنسية الكاملة. ورفض معظمهم، لكن في السنوات الأخيرة، وبخاصة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية سنة 2011، أصبح العديد من الدروز الأصغر سناً إسرائيليين.
انقسام درزي
وكان الانقسام بين الأجيال واضحاً في جنازة ضحايا الصواريخ في 28 تموز/ يوليو. لقد بدأ الموكب في المركز القديم للمدينة، حيث تم نقل الجثث إلى مبنى جماعي يسمى المركز السوري. ولم تكن هناك أعلام إسرائيلية مرئية؛ وحافظ الساسة الإسرائيليون وضباط الجيش على مسافة.
حتى موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، كان حريصاً على عدم ذكر إسرائيل أو حزب الله بالاسم في تأبينه.
وفي أسفل التل، بجوار الحفرة في الملعب، كان سكان أصغر سناً يتجولون حول المركز الرياضي الجديد.
ويقول طاهر صفدي: "بالطبع نحن الآن جميعاً إسرائيليون. هذا هو الواقع". ويضيف وسيم بدر: "نتوقع من بلدنا، إسرائيل، أن يحمينا". تشير مثل هذه التوقعات إلى سبب ثالث لحرص حزب الله على النأي بنفسه: سارعت إسرائيل إلى التعامل مع الأطفال القتلى على أنهم من مواطنيها.
نتانياهو تحت الضغوط
لقد أدى الهجوم على مجدل شمس إلى زيادة الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للتحرك بشكل حاسم ضد حزب الله. لقد أمل بأن يستمتع، على الأقل لبضعة أيام، بالخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي في الرابع والعشرين من يوليو. لكن بدلاً من ذلك اضطر إلى قطع رحلته إلى الولايات المتحدة.
ووعد المسؤولون الإسرائيليون برد قاس: "لقد أصبح مواطنو لبنان رهائن لدى حزب الله، وسوف يتعين عليهم الآن أن يدفعوا ثمن تصرفات حسن نصرالله المتهورة"، كما يقول أحد المسؤولين الأمنيين في إشارة إلى زعيم حزب الله.
ولكن هذا الرد قد لا يأتي على الفور. ما زال المخططون العسكريون حريصين على عدم الانجرار إلى حرب شاملة بينما يقاتلون أيضاً في غزة.
وتهدف الخيارات التي تتم مناقشتها إلى عدم الوصول إلى ذلك: إما توجيه ضربة ضد هدف رئيسي لحزب الله في عمق لبنان، أو شن هجوم على البنية الأساسية المدنية اللبنانية. لكن حتى هذه الخيارات قد تستفز حزب الله لاستخدام ترسانته من الصواريخ البعيدة المدى لضرب المراكز السكانية الكبرى داخل إسرائيل.
احتمال إيجابي؟
وقد تؤثر إراقة الدماء شمال إسرائيل على الوضع في غزة أيضاً. في الأسابيع الأخيرة توقع المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون تحقيق تقدم في المحادثات مع حماس. ويأمل الفلسطينيون التوصل إلى اتفاق يبدأ بهدنة موقتة، وإطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وهو ما قد يؤدي بعد ذلك إلى مزيد من المحادثات حول وقف دائم لإطلاق النار.
ويخشى المفاوضون من أن يؤدي التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى تحويل الجهود عن تلك المحادثات. لكن هذا قد يؤدي أيضاً إلى العكس: يمكن للرغبة بتجنب الحرب في لبنان أن تحث إسرائيل على الذهاب إلى اتفاق مع حماس. من غير المرجح أن يتوقف حزب الله عن إطلاق النار على إسرائيل حتى تتوقف الحرب الكارثية في غزة.
وبشكل متزايد، يبدو البديل الوحيد المتاح لإسرائيل عن وقف إطلاق النار هو الحرب على جبهات متعددة.