في السادس من حزيران/ يونيو 2008 دخل خالد شيخ محمد لأول مرة إلى قاعات المحكمة الأميركية، بتهمة التخطيط وضرب برج التجارة العالمي باستخدام طائرات مدنية، محكمة لم يدخلها بمفرده وإنما بجواره وليد بن عطاش ورمزي بن الشيبة وعلي عبد العزيز علي، ومصطفى الحوساوي بعد اعتقالهم من قبل الولايات المتحدة في عامي 2002 و2003 وإيداعهم سجونا سرية قبل نقلهم الى غوانتانامو عام 2006 لتبدأ محاكمتهم بعد عامين.
خالد شيخ محمد كان أكثرهم ثباتا في قاعة المحكمة، التي دخل إليها مرتديًا جلبابًا أبيض واضعًا عمامة على رأسه، لاحظ العالم وقتها اختلافًا وتغيرًا في الرجل عن صورته التي نشرتها الولايات المتحدة بعد عملية اعتقاله في آذار/ مارس 2003.
ظهر ثبات خالد شيخ محمد عندما رفض الممثل القانوني وتلى آيات من القرآن الكريم وأن الله هو وليه رافعًا صوته: سأمثل نفسي، أفهم الخطوط الحمر التي أعيدت عليّ، وهي أنني لن أذكر أي دولة وأي شيء عن التعذيب، قالوا لي ألا أذكر دولًا ولا تعذيب.
لم يكن هذا كل حديث خالد شيخ بل قال أيضا إن معتقدي الديني لا يسمح لي بقبول أي شيء غير الشريعة، لن أقبل تمثيل أحد حتى لو كان مسلمًا.. الله سيحكم.
سأل القاضي خالد شيخ قائلا: هل تفهم أنك ستواجه عقوبة الإعدام؟؛ ليرد قائلًا: هذا ما أتمناه وما أردته طويلًا عندما حاربت الروس في أفغانستان.. الله سيعطيني ذلك منك.
تمنى الرجل أن ينال حكمًا بالإعدام على يد سلطات الدولة التي وجه لها الضربة الأكبر منذ القصف الياباني على بريل هاربر، وبينما استخدمت اليابان طائرات سلاحها الجوي، كان هو مخططًا لعملية معقدة بدأت باختطاف الطائرات وتوجيهها إلى مقار وأبنية حددها بشكل مسبق مع (العقل الخطير) محمد عطا الأمير.
لكن الرجل الذي تمنى الموت بحكم إعدام ينطق به القاضي الأميركي، توصل الآن في 2024 إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ليقر بالذنب في هجوم 11 أيلول/ سبتمبر وليس بمفرده ولكن مع وليد عطاش ومصطفى الحوساوي.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه جاء بعد مفاوضات استمرت 27 شهرًا بين ممثلي الادعاء الأميركي والمتهمين، ومن شأنه أن يجنب الثلاثة عقوبة الإعدام إلى السجن مدى الحياة.
وفقًا لوسائل الإعلام الأميركية ومحللون فإن الاتفاق لم يكن ليرضي الادعاء الأميركي نفسه لولا قضية التعذيب التي واجهت محمد وآخرين في سجون سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية.
بيتر بيرغن الاسم الأبرز في صحافة الولايات المتحدة حول تنظيم القاعدة وصاحب المؤلفات الشهيرة الحرب المُقدسة المتحدة داخل العالم السري لأسامة بن لادن وأسامة بن لادن الذي أعرفه.. تاريخ شفهي لزعيم القاعدة رأى في الاتفاق أنه الأقل سوء.. واجهت الحكومة تحديًا صعبًا يتمثل في المضي قدمًا في قضية تعثرت على مدار عقدين من الزمن منذ القبض على خالد شيخ محمد في باكستان في عام 2003 بتهمة تورطه المزعوم في الهجمات الإرهابية.
كيف استقبلت عائلات الضحايا الاتفاق؟
بريت إيجلستون، رئيس منظمة العدالة لضحايا الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وهي المنظمة التي تمثل الناجين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأفراد عائلات الضحايا، في بيان إن العائلات منزعجة بشدة من صفقات الإقرار بالذنب هذه.
وقالت تيري سترادا، رئيسة جمعية عائلات 11 أيلول/ سبتمبر إن هذا الخبر كان بمثابة صدمة كبيرة لها لدى خروجها من محكمة مانهاتن الفيدرالية بعد ظهر الأربعاء من جلسة استماع استمرت يومًا كاملًا.
الصفقة التي رفضها بايدن
في عام 1996، قدم خالد شيخ لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خطة اختطاف طائرات تجارية وتوجيهها إلى مواقع حساسة في جميع أنحاء الولايات المتحدة للهجوم الذي أصبح فيما بعد 11 أيلول/ سبتمبر مستهدفًا مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك بالإضافة إلى البنتاغون.
ومنذ العملية طاردت الولايات المتحدة خالد شيخ محمد، وألقت القبض عليه في باكستان في عام 2003، وتعرض للتعذيب في سجون سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وفي العام الماضي، رفض جو بايدن أجزاء من صفقة محتملة للإقرار بالذنب للمعتقلين، بسبب مطالب بتجنب الحبس الانفرادي للرجال وتلقي الرعاية الطبية اللازمة بسبب التعذيب الذي تعرضوا له على أيدي وكالة المخابرات المركزية.
وفي العام الماضي، تبين أن رمزي بن الشيبة، غير مؤهل عقليا للمثول للمحاكمة.
ما هو اتفاق الإقرار بالذنب؟
اتفاق في إجراءات القانون الجنائي الأميركي، حيث يقدم المدعي العام تنازلًا للمدعى عليه، مقابل إقراره بالذنب وتسمح صفقة الإقرار بالذنب لكلا الطرفين بتجنب محاكمة جنائية مطولة، وقد تسمح للمتهمين الجنائيين بتجنب خطر الإدانة في المحاكمة، بتهمة أكثر خطورة.
وعندما يدخل المتهم في اتفاق إقرار بالذنب، يتعين عليه عادة الوقوف أمام المحكمة والاعتراف بانتهاكه للقانون ويقدم المدعي العام توصية إلى القاضي وفقًا لشروط اتفاق الإقرار بالذنب.