حتى الساعة، ظل رسميون أردنيون يتوقعون بدءاً وشيكاً للرد الإيراني على إسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران قبل أسبوعين تقريباً.
ويتابع الأردن حركة التحشيد العسكري الأميركي في المنطقة، وسباق التصريحات الإيرانية - الإسرائيلية المتبادلة، التي وضعت المنطقة على صفيح ساخن، أمام انتظار رد طهران وما يمكن أن يتبعه من ردود فعل إسرائيلية قد تقود المنطقة إلى حرب إقليمية. لكن رسميين أردنيين أبدوا تفاؤلهم خلال الساعات الماضية بإرجاء رد إيران على إسرائيل في حال التوصل هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة.
وبموازاة الحراك الدبلوماسي الأردني الهادف إلى وقف الحرب على غزة، تجنباً لتوسع دائرة الصراع الذي يهدد استقرار المنطقة، فإن التأهب العسكري والأمني أخذ شكلاً عملياتياً من خلال إجراءات لمنع أي اختراق لأجواء المملكة وسيادتها، علماً أن عمّان رفضت أن تكون ساحة لهذه الحرب وأبلغت جميع الأطراف (واشنطن وتل أبيب وطهران وغيرها) بأنها لن تسمح لأحد باستخدام أجوائها أو أراضيها في أي عمليات عسكرية، بحسب تصريحات رسمية.
لكن عبارة بـ"الحد الذي يستطيعه الأردن ووفق قدراته وإمكاناته، سيتصدى لأي محاولة اختراق لأجوائه"، التي جاءت على لسان الرسميين الأردنيين خلال الساعات الماضية، شكلت الحدود الواقعية للتعامل مع ظرف عسكري أمني خطير قد تستخدم فيه تكنولوجيا السلاح المتطور واستعراض القوى، وذلك في سياق التصعيد الإيراني - الإسرائيلي المرتقب، الذي سيشكل تحدياً أمنياً ستتأثر به المملكة الأردنية بحكم موقعها.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء بشر الخصاونة وكذلك وزير الخارجية أيمن الصفدي أكدوا موقف عمّان من أنها "لن تكون ساحة حرب، ولن تسمح بتعريض حياة الشعب للخطر".
ولا يخفي الأردن قلقه من وجود أطراف في المنطقة تحاول العبث بأمنه الداخلي، وقد تم رصد العديد من هذه المحاولات وكشفها. وارتفعت أصوات نخب أردنية تنتمي لتيارات سياسية عدة، عبّرت عن خشيتها من تهديد أمن الأردن واستقراره، وأن ضرورات المرحلة القادمة يجب أن تدرس التكيّف مع هذا الاستهداف. واستدلت تلك النخب بموعد انعقاد الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي، الذي أُقر بموجب التعديلات الدستورية مطلع عام 2022، وحمل دلالات سياسية وأمنية مهمة، في ظل ما تشهده المنطقة ودول الجوار من تصعيد خطير مع استمرار حالة الترقب للرد الإيراني على إسرائيل.
وفي حسابات المخاوف الأردنية أن تكون سماء المملكة مسرحاً للصواريخ الإيرانية ومضادات الدفاع الإسرائيلية، وهذا بالحسابات المحلية يُشكل خطراً أمنياً يهدد أرواح السكان والممتلكات. وفي الذاكرة القريبة ليلة الثالث عشر من نيسان/ أبريل الماضي عندما سقطت عشرات المسيّرات الإيرانية داخل الأراضي الأردنية، وسقط بعضها وسط تجمعات سكانية بعد التصدي لها. وإذا كان هذا حال المسيّرات، فإن الأردنيين قلقون من استخدام صواريخ مصنعة وفق تكنولوجيا التسليح الحديث.
ويضاعف من مخاوف مركز القرار الأردني جبهات التوتر على الحدود الشمالية والشرقية التي تسيطر على مناطق واسعة فيها من الجانب السوري والعراقي ميليشيات إيرانية لها أجندات معادية للأمن الأردني، ومستمرة في محاولاتها لتهريب المخدرات والسلاح في اقتصاد خطر أرهق الدفاعات العسكرية الأمامية التي أصبحت تتعامل بشكل شبه يومي مع تدفق عصابات متعددة الولاءات والمصالح.
وكل ذلك يفسر الحركة النشطة للدبلوماسية الأردنية، التي تسعى إلى تعريف أزمة المنطقة اليوم باستمرار الحرب والعدوان على غزة، وأولوية الوقف الفوري لإطلاق النار، وليس التصعيد الإيراني - الإسرائيلي المرتقب، الذي سيصب في مصلحة التصعيد المستمر وردود الفعل المتبادلة، وهذا ما تخشاه عمّان.