أكاذيب

فيلم "حياة الماعز" أثار الكثير من الجدل والنقاشات منذ عرضه الأول، لكن يا للأسف، لم يكن هذا النقاش نابعًا من قيمته الفنية أو الرسالة التي يحاول إيصالها، بل كان بسبب القتامة والسوداوية التي تسيطر على كل جوانب الفيلم. منذ اللحظة الأولى لوصول البطل إلى المطار، يجد المشاهد نفسه محاصرًا بأجواء مظلمة توحي بالخوف والقلق، وهو ما يشير إلى وجود مشكلة كبيرة في التوجه الفني للفيلم. هذا الاختيار كان محاولة سطحية لإضفاء نوع من الجدية والعمق على فيلم يخلو من أي مضمون حقيقي متماسك.

ما يثير الاستغراب حقًا هو التوجه الذي سلكه الفيلم في تصوير قضية وصول شخص إلى بلد أجنبي، حيث يتعرض للاحتيال من قبل مجرم يستغل جهله وعدم إتقانه للغة. هذه الحبكة، وإن كانت تحمل في طياتها مشكلة واقعية، إلا أنها ليست جديدة أو مبتكرة بأي شكل من الأشكال. بل على العكس، فقد تم استهلاك هذه الفكرة في عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية.

الأمر الأكثر سوءًا هو محاولة الربط بين هذه الحبكة وبين نظام الكفيل، وهو ربط مجحف وغير موضوعي إطلاقًا. بالرغم من بعض الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى قانون الكفيل والتي دفعت السلطات في المملكة العربية السعودية إلى التحول إلى إلغائه واستبداله بصيغة تعاقدية تضمن حقوق العامل ورب العمل..

ومع ذلك، فإن فيلم "حياة الماعز" لم يناقش قضية نظام الكفيل بشكل جاد أو موضوعي، بل اختار أن يستغل جهل المشاهدين غير المطّلعين ليصور المؤسسات القانونية السعودية وكأنها متواطئة أو غير قادرة على حماية الحقوق. يمكن أن تنتقد قانون الكفيل كما تشاء، ويمكن أن تصور حالة فردية إجرامية موجودة في المجتمع السعودي كما في كل المجتمعات، ولكن الأكذوبة الكبرى والجناية التي قام بها الفيلم هو تصويره لمؤسسات إنفاذ القانون. الدولة السعودية هي دولة قانون، يطبّق فيها القانون على الوزير والغفير والأمير، وتاريخ القضاء السعودي يشهد أن حد القصاص وهو العقوبة القصوى والتي يحاول الجميع تجنّبها عبر الوساطات القبلية والجاهات الاجتماعية ومع ذلك لم تستثنِ أحداً حتى شخصيات وازنة في المجتمع السعودي..

عكاظ

يقرأون الآن