رحل اللبنانى الكبير سليم الحص بعد تاريخ حافل لبلاده، والمنطقة العربية، فهو سياسى، ورئيس وزراء من طراز رفيع، وسمته الرئيسية الأخلاق، والشفافية فى المراحل المفصلية فى التاريخ العربى عموما، واللبنانى خصوصا، ولعل أبرزها اتفاقية "الطائف"، وإذا كان السياسيون سوف يعددون تاريخ الرجل المهم، فنحن الصحفيين، والمهتمين بالثقافة يجب ألا ننسى سليم الحص الصحفى، والكاتب النادر، والبارز، صاحب المقالات، والكتب، والمعلومات الوفيرة..
لقد عرفت سليم الحص، وتحاورت معه كثيرا عبر مراحل متعددة فى تاريخ لبنان، منذ الثمانينيات، وحتى بداية هذا القرن الجديد، وأتذكر الآن الندوات، والمقالات، حول كتبه العديدة، ولعل ما استوقفنى هو عنوان "ما قل ودل"، أحد عناوين كاتبنا الكبير أحمد الصاوى محمد، أول رئيس تحرير مصرى للأهرام، والذى كتب مقدمته أنطون الجميل، رئيس تحرير الأهرام، حيث أعاد رئيس الوزراء اللبنانى سيرة هذا العنوان عام 2008 فى كتابه بالعنوان نفسه.
أعتقد أننا إذا عددنا كتب، ومقالات الراحل الفذ سليم الحص، فسنجد أنها مرتبطة، إلى حد كبير، بمراحل توليه رئاسة الوزارة فى لبنان، منذ أن التحق بسلك الدولة، عقب انتهاء تعليمه فى الولايات المتحدة الأمريكية، فرأس أكثر من حكومة، والتى كانت أولاها عام 1976 مع الرئيس إلياس سركيس، ثم حكومته الثانية، بعد اغتيال رشيد كرامى، فى عهد أمين الجميل، واستمرت مع الرئيس إلياس الهراوى، حتى التسعينيات، ودخل اللعبة السياسية مع إميل لحود، فى عام 2000، وهنا كانت خلافاته مع الحريرى، الرئيس الراحل، ولكنه ظل ممسكا برأيه، وشعار الإصلاح والتطوير، حتى واجه الاضطرابات التى بدأها الرئيس اللبنانى الأخير، ميشال عون، عندما شكل حكومة عسكرية عام 1988 قبل نفيه إلى باريس، ثم عودته رئيسا، ليكون الرئيس الأخير فى لبنان.
لقد حمل سليم الحص المسئولية، وكتبها، وتلك أبرز ما فيه، وسوف تدخله تاريخ السياسة العربية، وتخلد اسمه طويلا، فهو لن يرحل، أو يغيب بغياب الإنسان، لأن سيرته، ومسيرته، محفورة، ومكتوبة، فهى سيرة حية، ممكن أن نمسكها.. رحم الله الصحفى، والكاتب، والسياسى الذى عرف قدر بلاده، ومنطقته.