مستقبل الاستثمار في المملكة.. كيف يعزز النظام الجديد المساواة والشفافية؟

1. في شهر يوليو، أعلن مجلس الوزراء السعوديّ، عن الموافقة على اعتماد نظام الاستثمار المحدّث بعد حوالي 24 سنة من إطلاق أول نظام استثمار في المملكة العربية السعودية. وتلقّت الأوساط العالمية والمحلية الاستثمارية الخبر بإيجابية وتفاؤلٍ كبيرين جدًّا. فنظام الاستثمار القديم استمرّ لفترة طويلة دون تغيير أو مواكبة لمستجدّات الاستثمار العالمية، لاسيما بعد إطلاق المشروع الوطنيّ الكبير من قِبل سموّ سيدي وليّ العهد، رؤية المملكة_العربية السعودية_2030.

2. وقد كان هناك عديد من المقارنات بين نظام الاستثمار الأجنبيّ القديم والنظام الجديد للاستثمار، من قِبل الجهات المهتمّة بالمشهد الاستثماريّ، إلا أن أبرز النقاط الجوهرية والفروقات -من وجهة نظري- بين النظامين، كانت كما يلي:

a. النظام الجديد نظام عامّ شمِل -في جنباته وتفاصيله- تعريف المستثمر بنوعيه؛ المستثمر المحليّ، والمستثمر الأجنبيّ، ويعدّ ذلك تطورًا كبيرًا ومعززًا لاهتمام المملكة بالاستثمار، وحرصها على إدراج جميع فئات المستثمرين في مشمول النظام. كما يؤسّس ذلك ويعزّز مبدأ المساواة بين جميع المستثمرين المحليين والأجانب، وأن تكون هناك أرضية متساوية للجميع للاستثمار في المملكة.

b. عرف النظام الجديد أشكال الاستثمار بشكل أدقّ عن النظام السابق؛ حيث شمل الاستثمار في الأسهم والحصص والشركات والحقوق التعاقدية والأصول بأنواعها، وحقوق الملكية الفكرية، بينما النظام القديم ركّز فقط في مفهوم الاستثمار -في مجمله- على الأصول والأوراق المالية في المنشآت الخدمية.

c. ألغى النظام الجديد مفهوم الترخيص لممارسة النشاط الاستثماريّ (لاسيما للمنشآت الأجنبية)، واستبدله بمفهوم أسهل، وهو إتاحة الاستثمار في كل القطاعات، من دون حاجة لموافقة وزارة الاستثمار لممارسة النشاط الاستثماريّ، ويُستعاض عن الترخيص ومتطلّباته فقط، بالتسجيل في قاعدة البيانات الموحّدة للمستثمرين.

d. أسّس النظام الجديد لمبدأ تعريف النشاط الاستثماريّ وتمييزه عن ممارسة العمل التجاريّ الخدميّ أو الحِرفيّ الاعتياديّ، ويعدّ ذلك أمرًا جوهريًّا للغاية؛ لتمكين الحكومة من التركيز على فئات المستثمرين بأنواعهم، والتركيز على مفهوم الاستثمار طويل الأمد، بخلاف العمليات والصفقات قصيرة المدى.

e. فصَّل النظام -في جنباته- الأهداف التي من أجلها وُضع، لتكون أهدافًا استرشادية لجميع ما يتعلّق بتطبيق وتفسير النظام في المستقبل، ووضع تعديل لوائحه التنفيذية.

f. أسّس النظام مفهوم منح الحوافز للمستثمرين، وأن يكون وفق معايير موضوعية وعادلة، في حين أن النظام القديم لم يتطرّق لأيّ حوافز ممكن أن تُقدَّم للمستثمر. ويُعدّ ذلك أمرًا محوريًّا للغاية، ويدلّ على الوعي الكبير بأهمية الدور الذي تلعبه الحكومة في تشجيع وتحفيز الاستثمار، والحرص على ممارسته بشكل فاعل. في الوقت نفسه، أسس النظام الجديد لتقنين العقوبات ضد المخالفين للنظام، ومراعاة التدرّج فيها، وأن يكون هناك تعريف واضح ومسبق لأنواع المخالفات ودرجاتها، كما خفض النظام الجديد الحدّ الأعلى للغرامة المالية لمخالفي النظام، مقارنة بسابقه.

g. نَصّ النظام -بشكل واضح وصريح- على حقوق المستثمر وتفصيلها، والتأكيد على مبادئ المساواة بين المستثمرين، وضمان عدم مصادرة أمواله كليًّا أو جزئيًّا -إلا بحكم قضائيّ- وعدم نزع الملكية -إلا للمصلحة العامة- مقابل تعويض عادل. وضمان حرية نقل وتحويل الأموال وعائدات الاستثمار. كما أنه أتاح -ولأول مرة في تاريخ المملكة الاستثماريّ- استخدام الوسائل البديلة لحلّ المنازعات بين المستثمرين المسجّلين وفق هذا النظام، مثل الوساطة والتحكيم التجاريّ والمصالحة...، وغيرها.

h. أكّد النظام على مفهوم النافذة الواحدة لخدمة المستثمرين، ومنَح وزارة الاستثمار الحقّ في خدمة المستثمرين، باستصدار كل التراخيص التشغيلية اللازمة لممارسة الأنشطة الاستثمارية من الجهات الحكومية المختلفة، بعد التأكّد من استيفاء الاشتراطات النظامية الخاصة بالنشاط المحدد.

3. وبالرغم من هذه التحسينات الجوهرية والكبيرة للنظام الجديد -مقارنة بسابقه- فإنه ما زالت هناك تساؤلات كبيرة من قِبل المستثمرين بأنواعهم، ومكاتب المحاماة، والأوساط الإعلامية، عن كيفية تطبيق هذه التحسينات وتفعيلها على أرض الواقع. حيث ينتظر المهتمّون بهذا النظام، اللوائح التنفيذية التي نصّ النظام على إصدارها خلال 180 يومًا من تاريخ نشر النظام.

4. حيث تشمل هذه التساؤلات عديدًا من المحاور المختلفة ذات التفاصيل المتعددة.. أسرد بعضها، على سبيل المثال لا الحصر:

a. كيف ستكون آلية تسجيل المستثمرين الجديدة، مقارنة بالترخيص الاستثماريّ القديم؟ وهل تنطبق على المستثمر المحليّ؟

b. ما هي معايير تعريف المستثمر؟ وهل يستوجب التسجيل للمستثمرين القدامى الذين لم يسجَّلوا سابقًا لدى وزارة الاستثمار؟

c. ما هي مبادئ منح الحوافز للمستثمرين؟ وكيف يمكن الحصول عليها؟

d. هل يستوجب النظام تعديل عقود تأسيس الشركات المسجّلة وفق نظام الشركات، في حال قررت استخدام الوسائل البديلة لحل المنازعات وفق هذا النظام؟

e. ما هي آلية تسجيل وتوثيق حقوق الملكية الفكرية والحقوق التعاقدية، وربطها بالسجلّ الاستثماريّ؟

f. ما هي المخالفات وتصنيفها وفق هذا النظام؟

5. إنّ العمل على تفعيل هذا النظام -بشكل يرقى للتطلعات والطموحات الكبيرة التي من أجلها وُضع- يتطلّب جهودًا غير اعتيادية، ويضع مسؤولية كبيرة، ليس فقط على وزارة الاستثمار، وإنما على كل الجهات الحكومية ذات العلاقة، في كل القطاعات التي تسعى المملكة العربية السعودية لجذب وتطوير الاستثمار فيها.

6. أخيرًا وليس آخِرًا، فإن هذا النظام -وإن كان يشكّل نقلة نوعية كبيرة مقارنة بالنظام السابق، وإن كانت هناك أسئلة وتفاصيلُ كثيرةٌ يتطلّب العمل عليها جهودًا غير اعتيادية وغير مسبوقة، ليكون تفعيله متوائمًا مع الطموحات التي من أجلها وضع- يعدّ حلقة واحدة من أصل عدد كبير من الحلقات التي تعمل عليها حكومة المملكة العربية السعودية؛ لتحسين البيئة الاستثمارية، والتي لا يتّسع المجال لذكرها هنا، والتي في مجملها آتت نتائج -غير مسبوقة وغير اعتيادية- في تحقيق التقدّم والازدهار الاقتصاديّ الذي نعيشه اليوم واقعًا في مملكتنا الحبيبة.

العربية

يقرأون الآن