تثير التحركات الأمريكية والأوروبية ودول أخرى بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل التخوفات من أن هناك نوايا لمعركة قادمة صعبة بين إسرائيل وإيران، تقوم الأولى بالهجوم، والثانية بالرد، وتنخرط أمريكا وبعض الدول الأوروبية بالاشتراك مباشرة في المعارك القادمة.
هذه التحركات التي كانت تحتاج إلى مبرِّر لإشعال فتيل الحرب مع إيران، أمامها اليوم كل الأسباب والمبرِّرات لقيام إسرائيل بضرب إيران مدعومة من أمريكا وأوروبا مباشرة، وإسنادها سيكون ضمن الشراكة في مقاتلة عدو مشترك ظل القيام بقصف مصادر قوته هاجساً لإسرائيل وهذه الدول.
وهذه التحركات تمثَّلت في إجلاء رعايا هذه الدول من المنطقة، وفي توجيه المزيد من القوات لتضاف إلى ما هو موجود لها بالمنطقة، لإظهار القوة، والتصميم على أن إسرائيل لن تكون وحدها في المعركة القادمة، وقد ظهرت نوايا هذه الدول بالتصريحات التي صدرت عنها تدين فيها الهجوم الإيراني على إسرائيل، وأن عليها أن تتحمَّل النتائج.
وإسرائيل لا تخفي نيتها الرد على الهجوم الإيراني، بل إن رئيس وزرائها وقادة الجيش يتوعّدون بأن ما حدث لن يمر بسلام، وأن ما يسمونه بالعقاب سيكون عن قريب وبقوة لن تتوقعها إيران، مع أن طهران أعلنت أنها تكتفي بهذه الضربة، ولن تكررّها، في محاولة للمصالحة، والرغبة -كما تقول- بعدم التصعيد، وامتصاص النزعة الإسرائيلية في الهجوم.
غير أن أمريكا وحلفاءها مع إسرائيل، على قناعة بأن إيران لن تتخلى عن دعم أذرعتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وهذا كافٍ لاستثمار ما يسمونه بالعدوان على إسرائيل لإظهار القوة والحزم أمام تداعيات حروب الجبهات على أمن واستقرار حليفتهم إسرائيل.
ومهما كانت التطورات القادمة، والوضع المستقبلي في المنطقة من حيث التصعيد وعدم الاستقرار والأمن، فإن كل هذه الحروب منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي وإلى اليوم لن تنهي هذا الوضع غير المستقر في منطقتنا ما بقيت إسرائيل مُتمسكة باحتلالها لفلسطين، ورفضها لخيار الدولتين.
من المؤكد أن أمن منطقتنا ودولنا مرهون بنزع سلاح الميليشيات والتنظيمات غير الشرعية في لبنان واليمن والعراق وسوريا، لأن هذه القوى المسلحة غير الرسمية هي التي تؤجج المشاكل، وتزرع الفتن، وتقوِّض السلام، وتثير أسباب هذه المواجهات الدامية سواء محلياً حيث تقيم، أو خارجياً حيث يكون الاعتداء والثأر على دول الجوار.
وبنظرة فاحصة على الأوضاع بالمنطقة، وتقلّبات أحوالها، والنزوع نحو شهوة القتال، بسبب إسرائيل أولاً، ثم بوجود هذه التنظيمات ثانياً، وبسبب التدخل الأمريكي والأجنبي عموماً في شؤون دول المنطقة ثالثاً، ما يجعل الجميع يضع يده على قلبه، خوفاً من أن تزداد أحوال المنطقة سوءاً بأكثر مما هي عليه الآن.
فلبنان مقدم على مواجهة ما واجه قطاع غزة، وكل المؤشرات تؤكد على أنه سيكون غزة أخرى، حيث تواصل إسرائيل عدوانها على لبنان، ولا تكتفي بضرب مواقع حزب الله وقادته، وحيث يتمسك حزب الله بسياسته دون تغيير، ويرفض تفويض حكومة تصريف الأعمال والمجلس النيابي للتفاهم مع دول العالم لوقف القتال، حتى وإن تطلب ذلك قبوله بأن يكون حزباً سياسياً بلا سلاح، ودون أن يأتمر بأمر إيران.
ونفس الشيء من المهم أن يعامل الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق بنفس النظرة بأن يكون حصر السلاح بأيدي الجيوش الوطنية، وترك خيار الحروب والسلام بأيدي القيادات الرسمية المنتخبة، لأن هذا هو الطريق الصحيح للسلام، وأن يصاحب ذلك أن تكف إسرائيل عن عدوانها المتكرر على عدد من دول المنطقة، وتقبل بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.